السبت، 19 يونيو 2010

بلاط المنافقين

بقلم محمد شعبان

فكرتُ في أي الأسماء أفضل لهذا المقال السريع، فلم أجد إلا بلاط المنافقين؛ إذ المنافق أشبه ما يكون بـ"البلاطة"، فضلاً عن كونه لا يستطيع العيش إلا في "بلاط" يحوطه بالعناية والرعاية، فهو "تنبل" من "تنابلة السلطان" الذين لا يرون طموحاتهم ورغائبهم وقدراتهم إلا في "البلاطات" وبجانب "السلاطين والسلطانيات"!

وإن أكثر ما يصيب أي حر تعب نكد ذي مجهود وقدرة على الإبداع أن يُرمى برأيه عرض أي حائط أو "ترعة" ويؤخذ بآراء من وصلوا لقبة الفلك في الكلام المعسول، والنفاق الذي يبقيهم في أماكنهم الدافئة "تحت البطانية ولامؤاخذة"، وكلما زادوا في نفاقهم، وعلا صوتهم في أرض المعركة "معركة كتم أنفاس من تسول له نفسه بإخبار الحقيقة"، كلما كانوا من الأحباب والأنصار والأظفار= أي الذين يظفرون بكل "عشوة" و "فرخة" و "لحاف فوق البطانية"؛ فيكتسبوا تدفئة في أماكنهم و"جيوبهم"، طالما أنهم قادرون على "تعمير طاسة الكبير"!!

وتزداد حيرة الأغبياء الأعمياء، الذين لم يفهموا ولن يفهموا أنك "عشان تعلى وتعلى وتعلى لازم تطاطي تطاطي تطاطي"، فماذا يفعل هؤلاء الذين لم يتعودوا على طأطأة كلامهم لأحد، بل إنهم يرون أن الحق كل الحق في إنباء "الكبير" بحقيقة وضعه، ومكانته التي لا ريب أنه يعلمها ويعرفها في قرارة نفسه، وقارورة أسراره.

إن النفاق داء عظيم جدًا، ولا عجب أن نجد أن لفظة "نفاق" قد ذكرت ثلاث مرات فقط في القرآن الكريم، كلها جاءت في سورة التوبة، وهي سورة الفاضحة، التي فضح الله فيها الكافرين والمنافقين، وكأن الله يخبرنا أن النفاق سبب مباشر من أسباب هلاك الأمم والمؤسسات، وكأنه يدلنا على مفتاح اللغز، وطريقة العلاج، وهي فضح كل منافق يتسبب لسانه في إهلاك الناس بطريق مباشر وغير مباشر، ومن اللافت أن الله تعالى قد أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم بحقيقة المنافقين وبأسمائهم، وقد أخبرها نبينا صلى الله عليه وسلم لسيدنا حذيفة بن اليمان رضي الله عنه كاتم سره، فهو بمثابة المخابرات العامة التي تعرف حقيقة المنافقين، فإذا ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان عينًا عليهم، ومراقبًا لأحوالهم، فإذا ما غدروا أو خانوا كان لهم بالمرصاد، ويبلغ وقتها الخليفة بحقيقتهم، فهو من جهة متأدب بأدب النبوة من حيث التستر عليهم، وهو من أخرى مراقب لهم، عالم بأحوالهم، ولذلك قيل: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يكن يصلي على جنازة لا يصلي فيها حذيفة رضي الله عنه. صحيح أن أولئك المنافقين الأُول كانوا عند الله أكبر وأعظم مما نراهم اليوم؛ إذ كانوا يضمرون الكفر بالله ويعلنون إيمانهم، لكن من نراهم اليوم يفسدون وهم لا يشعرون.

وفي هذا المقام أذكر أن أحد أصدقائي قال لي ذات مرة عن أحد المنافقين في مؤسسة من المؤسسات الصحفية، بأن المدير أراد أن يكافئه بمبلغ ما، لكن منافقًا مخضرمًا قال - ومن منطلق المصلحة العامة للمؤسسة والكل يعلم مصلحة المؤسسة - ألا يُعطى هذا الصديق إلا نصف ما اقترحه المدير، وبالفعل أذعن المدير "الغلبان"، ولكن صديقي عرف المقترح، وتعامل معه بطريقة عادية، ولكنه خبُر حقيقته، وبات يكن له كل كره وحسرة، فهل يخاف كل منافق من الله تعالى، ويعلم أن رب كلمة تودي به في النار سبعين خريفًا، فالكلمة أمانة، وهي يوم القيامة إما جنة ونعيمًا، وإما حسرة وندامة.

نعم، إن المنافقين تشمئز منهم القلوب والعيون، وحتى كلامهم لا يكون مستساغًا، وإذا رأيتهم رأيت الشياطين تنظر إليك ضاحكة مستبشرة بحسرتك وألمك وفاجعتك، والغريب أنك لا تراهم إلا وقد اجتمعت كلمتهم، وتوحدت صفوفهم، وكانوا عونًا على من سواهم، فكأنهم ممغنطون يعرفون أنفسهم بسيماهم، وصدق الإمام الغزالي حين قال: "من كان رذِلاً بالطبع واتفق له قرناء السوء فتعلّم منهم وتيسرت له أسباب الشر حتى اعتادها فهو في غاية البعد من الله عز و جل" ومن ابتعد عن الله، ابتعد عنه الصالحون، وتهيأ لصحبته الطالحون.

فيا أيها المنافقون، يا من "تنفخون" ليل نهار في ذوات أناس لا يستحقون من كلامكم إلا النصح والإرشاد ابتغاء لله عز وجل، ألا تخافون الله الذي يستحق الحمد والشكر وحده، فضلاً عن ازدراء العباد لكم، إنكم تظلمون أناسًا من حيث لا تشعرون، فتكون كلمتكم وبالاً عليكم في الدنيا والآخر، ألا فاعتبروا، وخافوا الله الذي يعلم السر وأخفى، وبالله وحده نستعين عليكم.

هناك 5 تعليقات:

  1. مقال يكشف الغطاء (البطانية) عن أرباب الأمراء .. النفاخون في الأبواق .. لعل كلماتك تقرع آذانهم

    ردحذف
  2. أنسب ما في المقال أنه جاء في بابه إشكالات، وعلى كلٍ فالنفاق أحد أدواء العصر المنتشرة بقوة،ولا تتعلق بالأمراء والقادة فحسب بل قد تجدها في المؤسسات الصغيرة... ونعوذ بالله من النفاق وأهله

    ردحذف
  3. النفاق أخطر ما تصاب به أمة من الأمم فهو يأخذ بالأمة أو الدولة إلى الهاوية، ولا يزال المنافقون يطمئنون الحاكم أو صاحب الأمر بينما الأمر خطير حتى يضيع الملك والسلطان. ولهذا السبب كان التحذير من المنافقين في القرآن يأخذ مساحة أكبر من تلك المخصصة للتحذير من الكفرة والمشركين. إياكم والنفاق وإياكم وصحبة المنافقين. بارك الله أخي محمد على هذا التحذير وتلك الصيحة التي ينبغي أن تصل إلى كل أذن.

    ردحذف
  4. في ظل أوضاع متردية.. وفي ظل بُعد عن قيم ومبادئ وتعاليم الإسلام.. يتولد النفاق ويُفرِّخ، ويجد تربة صالحة للنماء والترعرع، ومناخًا مهيئًا لأن يُصبح سمة عامة تصبغ المجتمع بكامله، فتراه وقد بات وكأنه صنعة و "أكل عيش" اصطلح عليها وتراضى بها المنتفعون من خلالها، حتى وإن لم يقبلوها فيما بينهم!!
    وسحقًا لأصحاب النفوس الدنيئة وذوي الذمم الرخيصة.. فهم فقط فاطروا هذه الآفة ومخترعوها..

    ردحذف
  5. أتفق مع ما جاء في المقال والتعليقات، ولقد أحببت أن أتقدم خطوة على الموضوع، وأفكر هل أنا منافق أو منافق؟ (بالفتح والكسر).

    فأخذت أتذكر المرات التي قلت فيها كلمة تفوق القدر.. ثم إني ولله الحمد لم أجد. لا أتذكر أني فعلتها من قبل والحمد لله واسأل الله أن يغفر لي ما أخطأت وما لا أعلم.

    هل أنافَق؟

    لم أجد إلا أن يتعهد كل واحد منا صاحبه فيسأله أن يهدي إليه عيوبه، وأن يتعاهد معه على التناصح والتواصل .. فبهذا وحده تكون النجاة (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق).

    ماذا نفعل بالمنافقين من حولنا؟

    إن استطعنا نصحناهم سرا وعلانية، وإن لم نستطع تواصينا بالصبر (وتواصوا بالصبر)

    ردحذف