السبت، 25 يونيو 2011

مقدمة كتابي "كيف ربى المسلمون أبناءهم"


بسم الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، والصلاة الدائمة الموصولة على نبينا ومولانا ومصطفانا وشفيعنا بإذن الله تعالى محمد (صلى الله عليه وسلّم)، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان وإخلاص إلى يوم الدين، وبعدُ
فلكل قصة بداية، ولكل حادث حديث، ولكل كتاب باعث، وباعثُ هذا الكتاب يبدأ حينما قدّر الله لي أن ألتقيَ بكتاب العلامة الألماني آدم متز "الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري"، فإذا بي أستمتع بقراءة الكتاب، وأجول في فصوله وموضوعاته جولة المتلقف المتلهف، المستظرِف لما فيه، المستمتِع لما يحويه.
ومرت الأيام، فإذا بي أجد الكتاب ذاته أمامي مرة أخرى، فيزداد تعجبي ودهشتي فقد أحاط مؤلفه بنواحي الحضارة الإسلامية من سكان ومال وإدارة وتجارة وعلم وفن وسياسة واجتماع، وكشف ببحثه عن نواحٍ غامضة أخذ يُعالجها في صبر وأناة حتى جلاّها، وكانت طريقة معالجته تكاد تقتصر على جمع النصوص الكثيرة المتعلقة بالموضوع من مصادر كثيرة متنوعة، من غير أن يُدخل شخصيته وآراءه في المسائل إلا في القليل النادر.
وقد تأثرتُ بهذا الأسلوب الجذاب المبهر، الذي يتميز بالجِدة والأصالة، والظُّرف والجمال، والأسلوب العلمي والمنهجي الرائع والراقي، فعاهدتُ نفسي أن أسير على دربه في مؤلَّف يسدُّ بعض الثغرات التي لاحظتُها في هذا الكتاب، وكانت أكبر ثغرة رأيتها إهماله للجانب التربوي في الحضارة الإسلامية، هذا الجانب الذي يُطالعه الباحثُ والمُنقّب في التاريخ والتراث الإسلامي فإذا به يجده عن يمينه وشماله وبين يديه، صارخًا مستصرخًا لهذا الباحث لكي يُخرجه من براثن الظلمات، وتيه المؤلفات، وبُعد الشُّقة بينه وبين القراء العاديين الذين لا يُطالعون مصادر التاريخ والتراث الإسلامي إلا عَرَضًا ونادرًا.
كما لاحظت على كتاب آدم متز بعض المآخذ الأخرى التي تؤخذ على قطاع لا بأس به من المستشرقين والمؤرخين الغربيين منها عُسر النص عليه، فيفهمه على غير وجهه، وأحيانًا بتر النص العربي واجتزائه من موضعه بما يُخل المعنى العام للموقف والحدث، وأحيانًا نراه بحكم عقيدته ودينه يعتمد على النصوص فقط، دون فهم الروح والذوق والجو الإسلامي والوسط العربي الذي ذكرت فيها هذه النصوص، كل ذلك حفّزني وقتئذٍ على إتمام ما عزمتُ عليه.
لكن جذوة الحماسة التي اصطليتُ بها سابقًا، سرعان ما كانت تخبو، فنُسي مع هذه الحماسة التي كانت تفتُر تباعًا إخراجُ هذه الفكرة التي أردت أن تكون استكمالاً لما بدأه آدم متز، هذا فضلاً عن الكسل، والتذرع بضيق الوقت، والإرهاق الناتج عن العمل اليومي وغير ذلك من ذرائع النفس والشيطان.
وكنتُ قد أخبرتُ صديقي محمد إلهامي بهذه الفكرة، فإذا به يُحفّزُني لإتمامها دون مقدمات بعد صدور كتابه "التأمل"، فقلتُ ذلك من توفيق الله وإلهامه، فزاد ذلك من إصراري وعزمي، ثم توكلت على الله لإخراج هذا الكتاب، الذي أسأله أن يكتب له القبول والتوفيق.
وبدأت الرحلة، رحلة البحث عن المادة العلمية ووضع الهيكل الملائم، والغوص في أعماق المصادر التاريخية التي استمتعتُ بها كثيرًا كثيرًا، حتى منّ الله علي بإنهائه وإتمامه وإخراجه إلى العلن.
وهذا الكتاب أيها القارئ العزيز، لا يُعنى بالاسقصاء المُغرِق، وجمع التفاصيل المملة، ولا يُشبه المؤلفات الأكاديمية الموضوعية التي يُتحرّى في كتابتها القواعد والأصول الصارمة، ثم هو لا يُنظّرُ للتربية الإسلامية، إنه حالة من الكتابة الحضارية التي لم تتقيد بقيد أو شرط، كتابة أُبعدُ فيها نفسي عن التدخل والشرح إلا ما يستدعيه الموقف، لإفسح لعلمائنا ومؤرخينا وأدبائنا وفقهائنا المجال للحديث عن التربية التي عايشوها، والتأديب الذي لامسوه، ثم لحضارتنا التي لا زلنا نجهل كثيرًا من معالمها الغائصة في المصادر والمظانِّ، أو الشائهة في بعض المراجع التي لا تُسمن ولا تغني من جوع!
ولا أدعي أنني أتيتُ بأفضل مما أتى به غيري، وأحسن ما جاء به سواي، ولكنه عملٌ أُفسح بالفعل المجال للكتابة الحضارية أن تتحدث وتقول ما تشاء فيه، ولذلك لا يستغرب القارئ من الطول في بعض الاقتباسات التربوية أو التاريخية فإنما هو مقصود لإجلاء الغبار عن المقصد التربوي المراد إجلائه وتبيانه، ثم لا يندهش من المفهوم الرحب للتربية في الحضارة الإسلامية الذي طال كل ما يتعلق بالإنسان المسلم!
وقد ابتدأت الرحلة بالحديث عن أصالة التربية في العصر النبوي والراشدي وعرضت فيه لبعض أقوال وأفعال النبي (صلى الله عليه وسلم) وعلاقته بالأطفال والصبيان، ثم العصر الراشدي الذي يتضح للقارئ فيه التطور الحاصل في المفهوم التطبيقي التربوي سواء على المستوى الرسمي أم المستوى الشعبي والمجتمعي، وقد أكدتُ في هذا الفصل أن هذا العصر هو عصر الانطلاقة التربوية المنهجية والحضارية التطبيقية، وهو الأصل الذي ينهل منظّرو وعلماء والإسلام في كل زمن لاحق المفاهيم والمعاني التربوية التي جاء بها الإسلام.
ثم كان الفصل الثاني عن التربية في العصر الأموي، هذا العصر الذي يتسم بجانبه العربي القبلي ثم فتوحاته في الاتجاهات الأربع، وقد لاحظتُ في هذا العصر ظهور معان ومصطلحات جديدة سواء في العملية التربوية التطبيقية أم المنهجية التنظيرية.
ثم جاء الفصل الثالث وهو بعنوان نضوج التربية في العصر العباسي، وبالفعل فقد نضجت التربية ووصلت للذروة في الفكر والتطبيق، وهو عصر إنشاء الجامعات والمدارس والمكاتب المتخصصة في التربية الإسلامية.
وأما الفصل الرابع فجاء بعنوان "عظمة التربية في العصر المملوكي"، ويلمس القارئ العظمة التي توصلت إليها التربية الإسلامية في ذلك العصر على جميع المستويات، وأصبح العلم أصلاً واضحًا من أصول التربية الإسلامية، وأيضًا يتجلى في هذا العهد نوع جديد من أنواع التربية وهي التربية العسكرية التي أفردت الحديث لها.
ثم أنهيتُ فصول الكتاب بالفصل الخامس والأخير وهو يتناول "سحر التربية في المغرب والأندلس" وهو أكبر فصول الكتاب، وحُقّ له، ولو كان بإمكاني أن أستزيد فيه لأزدتُ؛ وذلك للروعة والإبهار والجمال والأصالة التي يلمسها القارئ للتربية في هذا العصر.
والله أسأل أن يوفقنا للخير، ويجعل هذا العمل ابتغاءً لوجهه ومرضاته
محمد شعبان أيوب
حلوان في غرة المحرم 1432هـ/ديسمبر 2010م
بيانات نشر الكتاب: الناشر: مؤسسة اقرأ للتوزيع والنشر والترجمة
العنوان: 10 شارع أحمد عمارة - بجوار حديثة الفسطاط - القاهرة - مصر
تليفون:
25326610 - 01521202472 - 01121202470

هناك تعليقان (2):

  1. مباركٌ صدور الكتاب .. نفع الله به وبكم بإذن الله
    ويبدو من هذا العرض أن الكتاب استعراض تاريخي لـ "كيف ربى المسلمون أبناءهم" .. وفقكم الله لما فيه خير الإسلام والمسلمين. يحيى جاد

    ردحذف
  2. أكرمك الله يا دكتور يحيى. محمد شعبان

    ردحذف