هل يمكن أن يكون العلم هدفًا سهلاً ميسورًا للرأسمالية؟ وهل يمكن أن يخضع طالب علم فضلاً عن عالم لهذا النظام البغيض؟
إن العلم من وجهة نظر الجميع صورة من الصور الصادقة لتقدم المجتمع ورفاهيته؟ بل هو النظام الوحيد الذي أثبت خلال تاريخ الإنسانية كلها أنه كيان محايد لا يُستقى منه إلا ما ينفع البشر، ويحقق أهدافهم وطموحاتهم.
لكن الأمر ليس بهذا الإطلاق الفوضوي الذي لا يخضع للمنهج "العلمي"؛ فكل شيء من وجهة نظر الحداثيين والعصرانيين لابد أن يُقاس بمنظار العلم، ولكن ألم يسأل هؤلاء أنفسهم وما المعيار الذي يمكن أن يقيس العلم ذاته؟ وهل العلم الذي بدد أوهام الكنيسة في قرونها الغابرة هو الخلاص الوحيد لتقدم الحياة المدنية، والإنسان المدني؟
لن نطيل في هذا الجدل الدائر بين أهمية العلم باعتباره مخلصًا للبشر من أسقامهم وأمراضهم، وبين من يرون أن العبثية وعدم الخضوع والإذعان للعلم ومناهجه هو السبيل الوحيد للتمتع بهذه الحياة الدنيا.
لكني بمنتهى الصراحة والمرارة أُقرر أن الرأسمالية نجحت في جعل العلم خادمًا لها، تابعًا لأمرها، فالمصلحة والبراجماتية - التي لا تقيم وزنًا للأخلاق - جعلتا العلم جزءًا أساسيًا من مشروعهما التدميري لحياتنا وطموحاتنا وأفكارنا؛ فأن تكون فقيرًا ذا علم فذلك يعني أنك سمك جائع يجري خلف طُعْم الصياد!
إن أدعياء العلم في عصرنا هذا، هم في حقيقة الأمر مجموعة من أصحاب المصالح المتفاوتة، كلٌّ يريدنا لنفسه، فيزدادون صيتًا ومالاً وقوةً، ونزداد نحن بلاهة وفقرًا وضعفًا، إنها فلسفة الرأسمالية يا عزيزي، أن يسيطر على العالم ثلة قليلة تديره كيفما شاءت ووقتما شاءت، وننتظر نحن أدوارنا المرسومة لنا، فإذا أردنا أن نخترق الإطار المرسوم لنا، وجدنا أن هؤلاء الودودون الطيبون أصبحوا وحوشًا كاسرة، تفترسك وتلتهمك على غدائها قبل عشائك (المزعوم) لها!!
إننا طيبون أكثر من اللازم، وجبناء أكثر من اللازم، نسينا أن الحياة والموت والبعث وما بينها ملك لله الواحد القهار، يقدّر كل شيء بقدره؛ حيث يؤكد لنا أن قوة الأمم لن تتأتى إلا من نفسها، وكذا قوة الفرد وطموحه وما يريد تحقيقه، فالتغيير هو الشيء الثابت في حياتنا، فإن لم نستطع أن نغير من أنفسنا، ووضعنا من الخطط والاستراتيجيات ما يقيم وزننا وشأننا التهمنا السمك الكبير، الذي يصطاده الصياد الأكبر بطبيعة الحال!
هذا الكلام ينطبق بتمامه على عصر الرأسمالية هذا، ينطبق عليك أيها القارئ العزيز، وينطبق عليّ أنا الكاتب (الطيب) الذي غرته الحياة الدنيا، ولكن .. ما الحلّ؟ ما السبيل لأن نكون شركاء وأندادًا؟ هل الحصول على المال ليكون رأسًا لي ولك، فنصبح رأسماليين هو السبيل لذلك؟ أم الثورة والمنادة – ولا حياة لمن ننادي – هي الحل لهذه المرحلة؟!
صدقًا (ويا لها من كلمة) لا أعرف ما الحل، سوى أن حركية المجتمع ودوامته التي نعيش فيها أقوى من كثيرين منا، وقد يكون الوقوف أمام تلك الدوامة عاملاً من عوامل الجنون لأنك ببساطة لن تحقق شيئًا، لأنك لن تكون وقتها شيئًا، فالحل يأتي من خلال المجموع، أن تقف الجموع أمام الجموع، ويتحقق وقتها قول المعتمد بن عباد الأمير الأندلسي الشهير:
إن تستلبْ مني الدنا مُلكي وتُسلمني الجُمُوع فالقلبُ بين ضلوعه لم تُسلمِ القلبَ الضلوع
أن تكون فقيرًا ذا علم فذلك يعني أنك سمك جائع يجري خلف طُعْم الصياد!
ردحذفإن أدعياء العلم في عصرنا هذا، هم في حقيقة الأمر مجموعة من أصحاب المصالح المتفاوتة، كلٌّ يريدنا لنفسه، فيزدادون صيتًا ومالاً وقوةً، ونزداد نحن بلاهة وفقرًا وضعفًا...
أوجعت قلب أخيك، وجددت علي وعلى بعض من أعرف المواجع، لك الله يا ابن أيوب !!
مقال رائع بحق. أنا بهذا المقال أكتشفك من جديد يا صديقي. واقتباسا من العسقلاني "أوجعت قلب أخيك، وجددت علي وعلى بعض من أعرف المواجع"
ردحذفولكني أضيف لك: وأنت الباحث في التاريخ والتراث، أنه ما حدث قط أن اتحدت جموع الضعفاء ووقفت أمام جموع الأقوياء .. هكذا من تلقاء نفسها.
ردحذفلابد -ياصديقي- من نخبة رائدة وقائدة، قادرة على التضحية والتجميع والتوجيه وحشد الجموع أمام الجموع، وبشرط أيضا: "ألا تكون هذه الحركة "تصالحية" تبغي التوفيق بين القديم والجديد، بل ثورية بمعنى الكلمة".
والله أعلم
جزيتما خيرًا كثيرًا، أتفق معك أخي العزيز محمد إلهامي، بيد أني أؤكد على أن الثورة تبدأ من تغيير النفس، والوقوف بكل حزم أمام المواقف التي تحتاج لذلك، ومع ذلك ضرورة معرفة الواقع المعيش، ولا ننس أن القديم والجديد واقعان متغيران حسب نظرة الجميع، فقبل الثورة لابد من احتراف السياسة (الشرعية).
ردحذف