السبت، 30 يناير 2010

من يمتلك الحقيقة؟

إن رحلة البحث عن اليقين كثيرًا ما تعتريها أسئلة محيرة، أولها ما هو اليقين؟ ثانيها هل البحث عن اليقين هو جوهر الحقيقة؟ ثالثها هل التاريخ صانع لليقين؟ رابعها من أكون في ظل هذا البحث المضني؟ وغيرها من الأسئلة المتداعية الأخرى..

يجب أن نقرر أن الإنسان قاصر عن بلوغ جُل الحقيقة واليقين في أي أمر من الأمور، فالحياة كيان نسبي متغير، وعقول البشر بعضها فوق بعض، وأعجبُ حينما أقرأ قول أبي العلاء المعري:

أما اليقين فلا يقين وإنما أقصى اجتهادي أن أظنَّ وأحدسا

لكن مثل تلك الأسئلة السابقة وغيرها تتواتر على عقل الإنسان حينما يتعامل مع أخيه الإنسان؛ إذ اختلاط المعادن مع بعضها – والتي هي جوهر الإنسان – إما أن يؤدي إلى تنافر وتباعد أو التحام وتواكد، لكن الأمر اللافت والغريب يكمن في اختزال الحقيقة عند إنسان دون آخر، والأعجب أن ترى ذلك الإنسان يحدثك من هذا المنطلق المشين، منطلق "الحصرية" في كل شيء؛ فتطويع الأدلة لإثبات صحة الموقف، وقوة المنصب التي تُلجمك في كثير من الأحيان، هما العاملان المؤثران الخفيان في إدارة الحوار بين طرفين يحسب أحدهما أنه يُحسنُ صنعا!!

لقد ثبت بالدليل التاريخي القاطع أن كل الأمم تحركها مجموعة من المسوّغات المُعلنة التي تحمل في طياتها حقائق الأمور، صحيح أن الإنسان هو الإنسان عبر مسيرة الزمن من حيث المشاعر والعواطف والغرائز، لكن البشر متفاوتون في أمر مهم جدًا ينحصر في الغاية المحرّكة لهم، فلو سأل أحدنا نفسه – أمام نفسه- ماذا أريد؟ فسيجيب على الفور بأنه يطمح في ما لا يُعد ولا يُحصى من الأمانيّ والغايات، لكن ذات السؤال إذا طُرح على أحدنا ملئًا، فسيفكر مليًا حتى يُرضي الجميع، وكي لا تتغير صورته الوردية المثالية أمامهم!!

إن الدين الإسلامي الذي صنع تاريخًا مثاليًا مشرفًا في العهد النبوي والعهد الراشدي يؤكد لنا أن الحقيقة تكمن في طهارة القلب، والتجرد، والبعد كل البعد عن "الحصرية" التي تدفعنا في عصرنا هذا إلى سبيل لا نعرف عقباها، إنها تعطينا أنموذجًا عظيما من السلوك الإنساني الرفيع... هذه هي الحقيقة وهذا هو اليقين.. حقيقة تاريخنا وأمتنا الإسلامية التي تُجيب على كل متسائل يسأل أعماق نفسه من يمتلك حقيقة التعامل البشري ومثاليته؟ ومن ذا الذي يُقرر أنك صاحب الموقف الصحيح؟ ومن ذا الذي يصدح بأن الطرف الآخر هو صاحب الموقف الخاطئ؟

إن المتشدقين بأن القرآن والسنة هما العلاج الناجع لتقويم إعوجاج السلوك الإنساني، تناسوا أن هذه الحقيقة عامة لا ينفكون هم منها، ولا يجب أن يحيدوا عنها، وكيف تتعجب حينما تراهم يتذكرون على وجه السرعة أن القرآن يأمر بكذا وينهى عن كذا، طالما كان هذا الأمر وذاك النهي في صالحهم؟ ثم تراهم يُعملون عقولهم كثيرًا ليتذاكوا عليك حينما تنصحهم تلميحًا أو تصريحًا بأنهم في شِراك الخطأ، وعلى طريق غير سوية في السلوك والمعاملة.

ومهما يكن، فالمواقف المتتالية ترسم الصورة الصحيحة عن الإنسان، ورحلة البحث عن اليقين لا تقتصر على معرفة الخالق – سبحانه وتعالى – وإنما يُضاف إليها حقيقة التعامل البشري، وأولية السلوك بين بني الإسلام على وجه الخصوص في هذا العصر، ولذلك فتاريخ السلوك الإنساني يُقدم بعد كثير بحث ومعاناة حقيقة السلوك الإنساني!!

هناك تعليقان (2):

  1. بارك الله فيك أخي الحبيب محمد
    ألا ترى معي أيضًا أن الحقيقة تضيع عندما يتحقق قول المتنبي:
    يا أعدل الناس إلا في معاملتي *** فيك الخصام وأنت الخصم والحكم

    ردحذف
  2. نعم أخي الحبيب حسين، وهي والله حيرة عظيمة، وبلية كبيرة تنتشر انتشار النار في الحطب!!

    ردحذف