الثلاثاء، 12 يوليو 2011

هل يمكن أن نُضيع اللحظة التاريخية مرة أخرى؟!

يقول الله في كتابه العزيز "لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ" وأولو الألباب الذين نحتاجهم بشدة هذه الأيام لا نكاد نسمع لهم حسا ولا ذكرا ولا رأيًا؛ ذلك أن "الظاهرة التلفزيونية" هذا المصطلح المعبّر الذي ذكره الدكتور حازم أبو إسماعيل، باتت تفرق بذكاء وخبث بين ما تريد توصيله هي وبين الحقيقة التي يريد الناس معرفتها حقًا، ومن يظهرون في هذه الوسائل المضللة ينطبق عليهم للأسف المثل المصري العظيم "اللي مايشوفش من الغربال يبقى أعمى"، فهؤلاء العميان هم للأسف من نسمع لهم ونقرأ لهم ونشاهدهم في كل ما يحيط بنا هذه الأيام، وهذه مشكلة يعاني منها الإعلام المصري الذي رُبي في حديقة الحزب الوطني الخلفية طوال ثلاثين عامًا وأكثر حتى جُبل على الكذب والنفاق والخداع والتضليل.

الآن نريد أن نستخلص من التاريخ ما يعيننا حقا، وما يأخذ بأيدينا لاستثمار اللحظة التاريخية التي نمر بها، والتي لا نريدها أن تكون نقطة في دائرة من تاريخ مصر بعد انقلاب 1952، كلما ابتعدنا عنها كلما رجعنا إليها!!

فماذا لو لم نستثمر هذه اللحظة التي وصلنا إليها بعد عقود من القهر والبطش؟ هل يمكن أن نعود من حيث أتينا؟ الحق أن هذا ما يذكره الرئيس الأول للجمهورية المصرية محمد نجيب، إن أهمية مذكراته تكمن في التشابه العجيب بين الشخصيات التي لعبت دور البطولة في تلك الآونة (1952 – 1954م) وبين الشخصيات التي تلعب ذات البطولة هذه الأيام!!

لقد كان نجيب مؤمنًا بالديمقراطية، صادقًا مع نفسه منذ اليوم الأول لحركة الضباط الأحرار التي قال عنها: "إن تحركنا ليلة 23 يوليو، والاستيلاء على مبنى القيادة العامة كان في عرفنا جميعًا انقلابًا، وكان لفظ الانقلاب هو اللفظ المستخدم فيما بيننا"، وحرص نجيب على ترجمة إيمانه بالديمقراطية إلى واقع عملي بتصديقه على قرار إجراء الانتخابات البرلمانية ومن ثم الرئاسية في فبراير من العام التالي، وعمل على هذا جاهدًا منذ توليه رئاسة الوزارة في سبتمبر 1952م، والتي قبلها على مضض وإثر ضغط شديد مورس عليه من مجلس قيادة الثورة، وكان تسويغه لرفضه في بداية الأمر راجعًا لكونه رجل عسكري، فهذا كما قال: "يتنافى مع المبدأ الذي اتفقنا عليه، وهو أن يبتعد الجيش عن الحكم والسياسة ..وإن تولي الوزارة من قبل ضابط يُعد سابقة في تاريخنا الحديث، لا أحد يعرف إلى أين ستجر البلاد" لكنه تحت الضغط قبلها في نهاية المطاف.

والحق أن خوف نجيب من توليه وزارة عسكرية تدير شئون البلاد كان في محله، فقد استطاع بريق السلطة والمال أن ينقل النفوذ العسكري إلى كل شبر في الحياة المدنية، وحاول نجيب أن يتغلب على هذا الخوف بالإسراع في عملية نقل السلطة إلى المدنيين من خلال إجراء الانتخابات في فبراير من العام التالي، وإنشاء قانون "تنظيم الأحزاب السياسية" في ذات الشهر الذي تولى فيه رئاسة الوزارة.

ورغم ملامح الديكتاتورية التي بدأت تلوح في أفق مجلس قيادة الثورة آنئذ بالتصدي لرئاسة مصطفى النحاس الشرفية لحزب الوفد، وقانون الإصلاح الزراعي، ومشكلة الوصاية على العرش، واضطهاد وسجن بعض الضباط الذين نادوا بالديمقراطية الحقيقة مع ما وجدوه من مستجدات أكدت لهم أن الطريق إلى الديكتاتورية بات سهلا ميسورًا أمام مجلس قيادة الثورة، إلا أن محمد نجيب لم يجد مفرًا "للخروج من هذا المأزق إلا بالتأكيد على موعد الانتخابات الذي حددناه في فبراير 1953م" وهذه الرغبة من محمد نجيب بالإسراع تجاه إقامة الانتخابات هي ذاتها التي نراها اليوم من رغبة 77.2% من المصريين في الإسراع من الخروج من هذا المأزق الذي تريد القوى الليبرالية والتي لا تختلف كثيرًا عن غالبية أعضاء مجلس قيادة الثورة "فريق جمال عبد الناصر" من أن تقف أمامه بجمع توقيعات 15 مليون مصري، والحديث الدائب عن خرافة الدستور أولاً!!!

لكن في منتصف يناير من عام 1953م وقبل إجراء الانتخابات بأسبوعين فقط وقعت المفاجأة الكبرى، بل الكارثة الكبرى التي كانت السبب في الاستبداد السياسي طوال الستين عامًا التالية، لقد ألغى مجلس قيادة الثورة الانتخابات، وقرر حل الأحزاب، وبدأ الجيش في حكم البلاد لفترة انتقالية تستمر ثلاث سنوات، ثم قال عبد الناصر ستستمر هذه الفترة حتى خروج آخر جندي أجنبي من مصر، وهكذا أطيح بحلم الديمقراطية والحياة المدنية والاقتصادية والسياسية التي كان المصريون يحلمون ويرغبون فيها، وكانت حجة صدور هذا القرار أنه ثبت لمجلس القيادة "أن أشخاصًا لا تهمهم إلا مصلحتهم الشخصية الرخيصة قد اتصلوا بعدد من الطلبة والعمال مستعملين كل وسائل الإغراء محاولين إحداث فتنة واضطرابات يوم 12 يناير.. ومر يوم 12 يناير بسلام وبدا واضحًا بعد الذي ثبت لنا أننا نخل إخلالاً خطيرًا بواجبنا إذا تهاونا مع أولئك الذين يفسدون الأخلاق ويعبثون بمصالح الوطن ويثيرون طوائفه المتحدة المتحابة في هذه الفترة الخطيرة من تاريخ مصر"، وهكذا لعب مجلس القيادة على وتر الفتنة الداخلية، والعناصر التي تريد إفساد الوطن ولحمته، وهي الدعوة التي نسمعها هذه الأيام بين الفينة والأخرى!

لكن نجيب حاول مرة أخيرة مع مجلس القيادة في أن يتعاملوا مع المصريين باللين ليأخذوهم في صفهم، و"لكن هذه النصيحة فشلت في أن أقنع بها زملائي الضباط في مجلس القيادة، أحسوا أنهم يحكمون، فاندفعوا يتعاملون بعنف، وبغطرسة مع الآخرين حتى زملائهم في التنظيم وفي الحركة، تعاملوا معهم بنفس الأسلوب".

وهكذا قُضي على الانتخابات التي كانت الطريق السريع والمريح والسهل لعودة الحياة الديمقراطية الحقيقية للمصريين، بل وقضي على الدستور بعد ذلك بحجة الشرعية الثورية، ذاك هو تاريخ ضياع "تاريخ الوطن" والانغماس في "تاريخ الأفراد" .. فهل تريد "النخبة" أن نعيد ذات التجربة مرة أخرى؟!!

نشر في شبكة رصد الإخبارية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق