يقف المصري اليوم أمام
مشهد سياسي شديد التعقيد، فلا يعلم هل تتجه الثورة إلى النجاح وتحقيق أهدافها
الكلية الكبرى وعلى رأسها الفكاك من الدولة الأمنية الاستبدادية والقضاء على
الفساد وأعوانه، أم تتجه صوب الفشل والاندحار ولعبة الموازنات بين الأطياف
المتناحرة على السلطة وفي نهاية المطاف يبقى الوضع القديم على ما هو عليه مع تغيير
قليل في "البدلات" السياسية!
انحسار المشهد الثوري
لقد كان أخطر ما في
المشهد هو انحسار الفعل الثوري في الغرف المغلقة وفي اللعبة السياسية وحدها، وتجلى
هذا الانحسار في الانقسام والتشرذم الثوري حينما عزف التيار الإسلامي التقليدي عن
المشاركة أو الوقوف مع أي قضية كانت تستدعي نزوله وثباته مع الثوار كما كانوا في
18 يوم التي أسقط في نهايتها مبارك، فمنذ أحداث مارس من العام الماضي التي اعتقل
فيها عشرات الشباب وحوكموا أمام المحاكم العسكرية ولا يزالون قابعين في السجون
مرورًا بأحداث كشف العذرية التي أخذ طبيبها براءة أمام المحكمة برغم وجود الشهود
والضحايا مرورًا بأحداث محمد محمود التي قتل فيها 40 شابًا مصريًا وتمخضت عن أحداث
مهمة في مسيرة الثورة وعلى رأسها تقديم موعد الانتخابات الرئاسية من نهاية عام
2013م إلى منتصف العام الحالي إلى أحداث القصر العيني التي قتل فيها رمز من الأزهر
الشريف هو الشيخ عماد عفت وغيره وسُحلت فيها فتيات لا حول لهن ولا قوة أمام عدسات
المصورين والفضائيات، فضلا عن موقف هذا التيار من مذبحة بورسعيد التي راح ضحيتها
أكثر من 70 شابًا لا جريرة لهم، وهو موقف هزيل بل ومتدن بشكل من الأشكال إذ خرج
بعض رموز التيار السلفي قائلين إن من قتلوا في هذه الأحداث "المدبرة"
ليسوا شهداء ملقين اللوم عليهم وغيرها من المواقف السلبية تجاه الفعل الثوري الذي
أتى بهم في الأساس إلى سدة البرلمان بغرفتيه!
معركة الدستور والتصعيد
يمكن بكل سهولة أن
نفهم أن الموقف العسكري لم يعد محايدًا كما يقال، أو أنه تحول من الخروج الآمن إلى
البقاء الآمن وفقط، لكن الأكثر رسوخًا الآن أن له مصالحه التي من الطبيعي أن يدافع
وسيدافع عنها بكل ما أوتي من قوة، وعلى رأسها عدم إقالة الحكومة الحالية التي هي
ذراعه التنفيذية في أخطر 60 يوم من عمر الثورة، وقد وصل به الأمر إلى الإعلان عن
ذلك صراحة بحسب ما ذكر موقع الجزيرة نت بتاريخ 29 مارس الماضي، حيث "قال عضو
المجلس اللواء محمود نصر إن القوات المسلحة "ستقاتل" من أجل أن تحتفظ
بمشروعاتها الاقتصادية التي قال إنها ستتعرض للتخريب والدمار إذا خضعت لإدارة
المدنيين. وأكد أن المجلس لن يسمح لأية جهة بالتدخل في شؤون تلك المشروعات. وأضاف
أن هذه المشروعات ناجحة وتحقق عائدات سنوية بقيمة 1.2 مليار جنيه".
وكان من ثمار التصعيد
أن انسحبت الوجوه الليبرالية والحكومية البارزة من لجنة إعداد الدستور ما سبب
حرجًا للإخوان المسلمين والتيار السلفي اللذين قيلا إنهما استحوذا على أغلبية
مقاعد لجنة الدستور برغم أن عدد مقاعدهم يبلغ 48 من مجموع المقاعد البالغ 100 أي
أن 52 مقعدًا قد حُجز بالفعل لليبراليين والأكاديميين والحكوميين وغيرهم.
لكن ذلك لم يعجب
العسكر ومناوئي التيار الإسلامي؛ لأن العسكر يريد من خلال إشارات كثيرة لعل أجلاها
ما ذُكر في وثيقة علي السلمي نائب رئيس الوزراء السابق أن يظل الوضع المالي
والسيادي الخاص به كما هو بل مع التوسع في السيادي، بل وأن تظل الدولة المصرية كما
هي، لكن بتغيير بعض الأوضاع حيث ينتقل العسكر إلى "الكواليس" ويظهر
للسطح "المدنيون" مع بقاء السيطرة والنفوذ لهم!
لقد جلس الإخوان
والمنسحبون من لجنة الدستور مع العسكر منذ أيام قليلة للوصول إلى صياغة لحل هذه
الإشكالية وتمخضت هذه الجلسة إلى ثلاث نتائج الأولى تكوين اللجنة من كافة الهيئات
والمؤسسات والقوى السياسية ما يعني أنهم سيتنازلون عن عدد من مقاعدهم والثاني
تكوين لجان نوعية للاستشارات الفنية ومعاونة لجنة المائة والثالث أن تكون وثيقتا
الأزهر والتحالف الديمقراطى للأحزاب والقوى السياسية مرجعية لمواد الدستور.
ومع هذا يبقى أخطر ما
يقابل هذه اللجنة طبيعة النظام السياسي في البلاد هل هو رئاسي أم برلماني أم
مختلط، ووضع القوات المسلحة فيه خاصة أن الكتاتني رئيس مجلس الشعب ونائب رئيس حزب
الحرية والعدالة ذراع الإخوان المسلمين سابقًا قال: "إن الجيش ستكون له
خصوصية في الدستور، ولكن ليس له وضع مميز". وهو كلام عائم يفهم على كل
الوجوه، أخطره أن تكون هناك تفاهمات لتثبيت الاستقلالية المالية والسيادية بل
وسيطرة العسكر على مفاصل الدولة!
بين التيار
الإسلامي التقليدي والثوري
في ظل هذا الصخب
السياسي، والمعركة بين الإخوان والعسكر أو "التمثيلية" كما يحلو للبعض
أن يصور، وبعد ثلاث اجتماعات لثلاثة أسابيع متواليات لمجلس شورى الإخوان قرر
الإخوان الدفع بنائب المرشد العام خيرت الشاطر لرئاسة الجمهورية، وكان الذين
وافقوا على هذا القرار 54 مقابل 52 رفضوه ما يعني أن ما يقرب من نصف الجماعة ترفض
هذا القرار الذي يصورهم في الشارع على أنهم نكثوا بوعودهم السابقة القاطعة بعدم
ترشحهم لهذا المنصب.
لكن الذي
يلفت الانتباه أنه ومن قبلها بأيام كان العسكر قد أعلن العفو عن بعض
القضايا التي قال إنه تم توريط الشاطر فيها زورا في ظل النظام البائد والتي حكم
عليه بمقتضاها بالسجن لسنوات، ويأتي هذا العفو لينظف من سجله القانوني ما يعني أن
الطريق باتت سانحة أمامه للترشح للانتخابات الرئاسية وهذا ما تم بالفعل، وهذا
السيناريو يؤكد للبعض أن التصعيد الذي بين الإخوان والعسكر هو قنبلة دخان للتغطية
على قرار ترشيح الشاطر!
لماذا إذن تم الزج
بالشاطر الآن؟ ولماذا كان الاجتماع يوم السبت الماضي 31 مارس اجتماعًا طارئًا تم
اتخاذ هذا القرار فيه رغم أنه كان من المفترض أن يجتمعوا يوم الثلاثاء 4 أبريل؟
لقد خرج بيان الإخوان
ببعض المبررات التي وصفها جل السياسيين والكتاب بأنها متهافتة لا ترقى للإقناع،
وعلى رأسها خوفهم من سرقة الثورة ووضعية البرلمان الذي بات عاجزًا عن ترجمة قراراته
على الأرض في ظل تعنت العسكر، وهي مبررات يمكن الرد عليها بأن الباب كان مفتوحًا
أمامهم للاحتشاد والنزول في الميادين لإجبار العسكر على إقالة حكومة الجنزوري
وقبول قرارات البرلمان، بل كان الباب مفتوحًا أمامهم لدعم أي من المرشحين
الإسلاميين المتواجدين على الساحة وعلى رأسهم أبو الفتوح أحد قيادات الإخوان
السابقين أو حازم أبو إسماعيل صاحب الشعبية الطاغية في الفترة الأخيرة وصاحب
الوجهة الثورية التطهيرية من النظام القديم بالكلية.
إن التقرير الذي أعده ديفيد
كيرباتريك في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بتاريخ 2 إبريل الحالي وعنوانه
"صعود التيار المتطرف ومخاوف جديدة للإخوان المسلمين" يؤكد جانبًا من
حقيقة ما يُدار في الغرف المغلقة حيث أكد أن الولايات المتحدة والإخوان اتفقوا
ضمنيًا على ترشيح الشاطر لما رأوا شعبية حازم أبو إسماعيل الطاغية في الشارع، خاصة
حجم التوكيلات التي قدمها حيث بلغت 160 ألف توكيل وموافقة 47 نائبًا من مجلسي
الشعب والشورى، في حين أن المطلوب من المرشحين هو 30 ألف توكيل أو موافقة 30
نائبًا، هذا فضلا عن الحشود الهائلة التي صاحبته أثناء تقديمه لأوراق ترشحه للجنة
العليا للانتخابات، وكان مما جاء في التقرير: "إن نجاح الحملة الانتخابية
للمرشح السلفي لرئاسة الجمهورية في مصر حازم أبو إسماعيل وصعود نجمه، ربما تفسر
الموافقة الضمنية التي أبدتها الولايات المتحدة على دفع جماعة الأخوان المسلمين
بمرشحها خيرت الشاطر، وإن أبو إسماعيل يريد إلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل، وينظر
إلى إيران علي أنها نموذج ناجح للاستقلالية عن واشنطن.."
إن هذه الرواية التي ذكرتها الصحيفة الأمريكية
ذائعة الصيت، غير مستبعدة في ظل وجود حازم أبو إسماعيل الذي أكد التقرير في أكثر
من موضع منه على ازدياد شعبيته وتناميها يومًا بعد آخر، وليس هذا الرجل مجرد مرشح
استطاع أن يجمع ملايين الأنصار والمؤيدين حوله بذات الأهمية على الصعيد الفردي أو
الانتخابي بقدر ما تزداد أهميته في رؤيته التي يحملها في تحقيق أهم ثلاث أهداف
نادت بها الثورة طويلا ولمس المتابعون من خلال مواقفه وتصريحاته صدقه فيها وهي:
تخلص مصر من سيطرة الأجهزة الأمنية على مفاصلها. والقضاء على الفساد وأعوانه. وعدم
التبعية المطلقة للمعسكر الأمريكي والغربي عمومًا. ومن هنا نفهم سر السكوت
الأمريكي على الدفع بالشاطر وكذا التحول الكبير من النقيض إلى النقيض في موقف
قيادات الإخوان المسلمين الذين كان عليهم واجبًا وطنيا يتمثل في الوقوف خلف مرشح
مثل أبو إسماعيل يبغي تحقيق أهداف من المفترض أنها على رأس أولويات الإخوان
المسلمين!
إن الثورة المصرية لن تحقق أهدافها إلا بوجود
رئيس قوي ونظام سياسي محكم لا سيطرة مطلقة فيه لمؤسسة على أخرى، وإنه لما اقترب
المصريون من تحقيق هذين المطلبين رأينا الدفع بالشاطر سببًا عظيمًا في تفتيت
الكتلة التصويتية للتيار الإسلامي الذي سيستفيد بثماره مرشحي النظام القديم وعلى
رأسهم أحمد شفيق وعمرو موسى وعمر سليمان!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق