الأربعاء، 4 أبريل 2012

الطريق من عبد الناصر إلى "أبو إسماعيل"!


لا تزال كلمات الأديب الإخواني الكبير الدكتور جابر قميحة حفظه الله ماثلة أمام عيني في رده على الإعلامي المخضرم أحمد منصور؛ ذلك أن منصور قد لام الإخوان المسلمين في أثناء أزمة فبراير 1954م لما تركوا حصارهم لقصر عابدين وصدقوا وعود عبد الناصر الذي سرعان ما تخلص من محمد نجيب ثم بعدها من الإخوان وعلى رأسهم عبد القادر عودة في حادث المنشية الشهير!
لقد لام الدكتور قميحة الإعلامي منصور لأنه لم يكن يعلم النتائج المترتبة على استمرار ثورة الإخوان ومعهم أطياف أخرى من المصريين على العسكر الذي بدا منه الاستبداد وعلى رأسه ناصر ومن معه، وقال له بالحرف في مقال عنوانه "الإخوان ومظاهرة فبراير1954" :"علي أي أساس يري الأخ أحمد منصور أن المظاهرة كان يجب أن تواصل السير... مؤكدًا أنها ستكون سلمية. وستسلم من أي «خدش» يصيبها! وأقول: بل كانت ستحدث مذابح يروح ضحيتها الآلاف لا المئات, فقد كان عبد الناصر مازال ممسكًا بكل المقاليد, والنفوذ الأول والأقوي له لا لنجيب. وكنت ستجد رجال عبد الناصر يحرقون سيارات ويدمرون محلات وسينمات, ويلصق ذلك بالإخوان, وتعمل المدافع الرشاشة, ويسقط ألوف القتلي, ويُعتقل عشرات الألوف, لأن الجيش سيعتبر المظاهرة تحديًا له, ومحاولة لتحجيمه".
وهذا النص المقتبس من كلام أستاذنا الدكتور قميحة يبين إلى أي مدى يُسيطر الفكر الذرائعي على قيادة وفكر ورؤية الإخوان المسلمين حتى الآن، بدليل أن المرشد السابق مهدي عاكف قال في برنامج "الإسلاميون" الوثائقي الذي عرض على قناة الجزيرة منذ أشهر أنه سمع بأذنيه من أعضاء مجلس قيادة الثورة قولهم: "إننا فعلا كنا قد حزمنا "الشنط" وقررنا الرجوع للثكنات". هذا إذا استمر اعتصام الإخوان والمصريين في ساحة عابدين!
ولو أخذ شباب مصر اليوم بهذه الرؤية من الأستاذ قميحة والإخوان لما قامت الثورة من الأساس، لكن المصيبة في استمرارها بعد الثورة ونجاحها.
إن تقييم التجربة التاريخية قد لا يكون عملا سهلاً ميسورًا حتى مع توافر المعلومات والروايات الصحيحة ومقارنتها وترجيحها وفق المنهج العلمي، لكن ومع ذلك أخذت تجربة عام 1954م منذ الإفراج عن الإخوان في شهر فبراير إلى الزج بهم في السجون والقبور في شهر نوفمبر من نفس العام  زخمًا كبيرًا من القراءة التاريخية المتأنية التي يغلب عليها كلها بمختلف تحيزاتها تقييمًا يقرر أن الإخوان المسلمين كانوا مخطئين بتركهم لعابدين، وثقتهم في العسكر، واضطرابهم في اتخاذ مواقف مناسبة رشيدة في وقت الأزمة!
لقد بدا أن عبد الناصر هذا العسكري الذي كان في عقده الثالث من عمره أشد ثباتًا على موقفه ورؤيته وأهدافه ومن ثم سلوكه على الأرض من الإخوان المسلمين الذين تجاهلوا تاريخًا طويلاً للعلاقة الجدلية بين المدنيين والعسكر منذ مجيء محمد علي وإلى تجربة 54 ثم 65 بعد ذلك!!
واليوم وبعد نجاح الثورة قرر الإخوان بذات العقلية الذرائعية أن يتخلوا عن الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية، بل ودعوا صراحة إلى ترشيح الرئيس التوافقي أو بالأحرى التآمري الذي ترضى عنه أمريكا والغرب، ثم لما بدا أن المشهد أصبح مغايرًا، والشارع والتيار الإسلامي لم يعد معهم قرروا بين عشية وضحاها بمبررات متهافتة أن يقدموا الشاطر لهذا المنصب.
لقد كان حلمنا أن يتقدم الإخوان إلى هذا المنصب منذ سقوط مبارك في شهر فبراير من العام الماضي، لكنهم أبوا وتركوا الساحة لمدة عام كامل في مشهد يذكرنا بانسحابهم من مظاهرة عابدين في عام 1954م، ولولا فضل الله على هذا الثورة، وظهور رجل يفهم أن التاريخ هو الخلفية الأساسية التي يجب أن يتكئ عليها السياسي القدير في حكمه على المواقف، لولا هذا مع وجود شباب ثوري رأى أن هذه التقليدية في واقع ثوري هي ضياع للثورة، وقتل لها في مهدها، لكانت مصر على ذات الطريق الذي سلكته "اليمن" بتوافقها وشرعنتها لرجل ظل مع علي صالح لمدة 18عامًا كاملة، غير قادر على الخلاص من النظام القديم أو لعله لا يريد!!
لقد كان حازم أبو إسماعيل كلمة السر في هذا الصراع الذي حول المصريين من واقع صدقوا فيه الوعود المعسولة بالمكر إلى سقف لن يتنازل عنه الثوار وهو تسليم كامل غير مشروط للسلطة إلى المدنيين الحقيقيين الذين قاموا بالثورة وضحوا بأبنائهم ودمائهم وأمنهم في سبيل تحقيق العدل، لقد كان أول من قالها مدوية عند انحسار المشهد الثوري، وقبول الأحزاب بوثيقة عنان التي تشرعن لبقاء العسكر وتعد الأحزاب وتمنيهم وما تعدهم إلا غرورا، قال لهم: إن هؤلاء ذئاب وثعالب!
لقد بدا هنا أن أبو إسماعيل أشد ثباتًا على موقفه؛ لكنه ثبات - وإن ذكّرنا بثبات عبد الناصر في تجربة الخمسينيات – على طريق الثورة ومن أجل تحقيقها، ووفاء بدماء شهدائها وشتان بين الثباتين.
وبعد عام كامل من غيبوبة التوافقية التي كانت قد باتت سلعة رائجة في شوارع وحواري وألسنة التيار الإسلامي، اكتشفوا أخيرا أن الشعبية الجارفة لهذا الرجل هي إيذان ببدء عهد جديد يمكن أن نطلق عليه عهد ما بعد التنظيمات، أو عهد التيار الإسلامي الجديد الذي لن يقبل أن يكون مدجنًا كما الموريسكيين الأقدمين في الأندلس، أو إسلاميي مصر التقليديين، ليتم الزج بالشاطر في عملية سياسية أقل ما توصف بالكارثة، لكنها في عمق المشهد دليل على قدرة هذا الرجل الفذ أبو إسماعيل على تحريك التيار بل والمشهد المصري كله، ليتحول ترشح الإخوان للرئاسة من خطر على الأمن العالمي إلى شراكة له، وكفى بهذا فخرًا لرجل وتيار معه جديد لن "يُستعنج بعد اليوم" كما قال ويقول، لعلنا الآن عرفنا كيف كان الطريق من عبد الناصر إلى أبو إسماعيل! 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق