الثلاثاء، 26 يونيو 2012

قصة الحرب الإلكترونية

يكفي أن تضع في محرك البحث "جوجل" مصطلح "الحرب الإلكترونية" لتجد أمامك "الويكيبديا" تُعرّف هذا المصطلح الجديد بما يلي: "هو استعمال الطّيف الكهرومغناطيسي لمنع استعمال هذه الوسيلة من قبل الخصم، في حين يتم استخدامها من جانب القوات الصديقة بأكثر الطرق فعالية. للحرب الإلكترونية ثلاثة عناصر رئيسية: الدعم الإلكتروني، والهجوم الإلكتروني، والحماية الإلكترونية"[1]؛ ولا تزيد على أكثر من ذلك.
على أن ما ذكره عبد الكريم المحسن الباحث في الشئون الإستراتيجية والحربية يجلي لنا بوضوح تعريف هذا المصطلح بقوله: "هو مجموعة الإجراءات التي تُنفذ بهدف الاستطلاع الإلكتروني للنظم والوسائل الإلكترونية المعادية، وإخلال عمل هذه النظم والوسائل الإلكترونية، ومقاومة الاستطلاع الإلكتروني المعادي، وتحقيق استقرار عمل النظم الإلكترونية الصديقة تحت ظروف استخدام العدو أعمال الاستطلاع، والإعاقة الإلكترونية"[2]. وهو يضيف بعدًا أكثر عمقًا من مجرد التصارع في إطار الفضاء اللاسلكي أو المجال الكهرومغناطيسي.
النشأة والتطور منذ بداية القرن العشرين
ولمعرفة أصل هذا المصطلح علينا أن نبحث في تاريخ نشأته الأولى؛ وهو ما ظهر قبل الحرب العالمية الأولى؛ إذ بدأت الاتصالات بين أرجاء العالم المختلفة باستخدام الموصّلات السلكية من طريق جهاز البرق الصوتي "المورس" سنة 1837م، ومنذ اندلاع الحرب الأهلية في الولايات المتحدة في إبريل سنة 1861م كانت خطوط التلغراف هدفًا مهمًا للقوات المتحاربة؛ إذ كان عمال الإشارة يتداخلون على خطوط الموصلات السلكية من طريق توصيل هاتف على التوازي مع كل خط من هذه الخطوط؛ للتنصت على هذه المحادثات، ولهذا السبب كان كل جانب يقطع الموصّلات الخطية عند عدم الحاجة إليها؛ حتى لا يتدخل عليها الطرف الآخر؛ ثم كان بداية الاتصال اللاسلكي الحقيقي في عام 1888م على يد الألماني هرتز، وفي منتصف عام 1897م استطاع المهندس والمخترع الإيطالي ماركوني تطوير جهاز لاسلكي يناسب الاستخدام في البحر؛ وكان من الطبيعي أن تظهر الشوشرة على الاتصالات اللاسلكية لتزايد الاستخدام في مساحة محددة مما يعني التداخل البيني للموجات الكهرومغناطيسية عند إشعاعها بكثافة عالية في تلك المساحة المحددة، ومن هنا بدأ التدريب على العمل في ظل الشوشرة نتيجة الاستخدام اللاسلكي المكثف؛ ثم بدأ بعد ذلك الاستخدام المتعمد للشوشرة لإعاقة الاتصالات اللاسلكية بين الوحدات العسكرية المعادية؛ وذلك لإرباكها وشل سيطرتها على قواتها وأسلحتها وتجلت هذه الحرب منذ الحرب اليابانية الروسية في بداية القرن العشرين، وبدأت في الانتشار في الحرب العالمية الأولى (1914- 1918م)[3].
ومع بداية الحرب العالمية الأولى في أغسطس 1914م قبل أن تدخل بريطانيا الحرب إلى جانب بلجيكا وفرنسا ضد ألمانيا والنمسا مرت سفينتان حربيتان بريطانيتان بجوار السفن الألمانية في بحر "المانش"ولم تحاولا الاشتباك مع السفن الألمانية إلا أن أدميرال الأسطول الألماني كشف أن هاتين السفينتين البريطانيتين نفذتا عمليات التنصت اللاسلكي على الاتصالات اللاسلكية للسفن الألمانية وذلك عندما حاولتا التشويش على الاتصالات اللاسلكية الألمانية بهدف اختبار كفاءة أعمال الحرب الالكترونية لديها في التداخل والشوشرة اللاسلكية على الشبكات اللاسلكية الألمانية، وأثناء العمليات البحرية التالية في الحرب العالمية الأولى كان التشويش على الاتصالات اللاسلكية يستخدم من حين إلى آخر ولكن وجد أنه لكي تُنفذ الشوشرة على أي اتصال لاسلكي كان لابد أن تسبق عملية التنصت الأمر الذي تبين منه في أحيان كثيرة أهمية المعلومات التي يتبادلها الجانب المعادي ومعرفة نواياه المستقبلية. من هنا ظهرت أهمية أعمال الاستطلاع اللاسلكي على شبكات العدو اللاسلكية بهدف الحصول على المعلومات[4].
اختراع الرادار وأثره في الحرب الإلكترونية
وفي الثلاثينات من القرن العشرين تطورت أجهزة الإرسال بدرجة كبيره وأُنتجت أجهزة استقبال ذات حساسية عالية وهوائيات دقيقه التوجيه وهو ما أدى إلى التفكير في التداخل اللاسلكي لإفشال أعمال التوجيه، وفي هذا الوقت بدأت التطبيقات العملية للظواهر المكتشفة في عام 1900م ، كصدى الصوت إذ كان عندما يرفع الصوت ويسمع صدى في الإجابة يعرف أن الصوت وصل حائطًا بعيدًا أو حاجزًا ولابد انه انعكس من المكان نفسه وهكذا بدأ تطبيق تحديد المكان لأي جسم متحرك مثل سفينة في البحر إذ يمكن تحديد مساحة تحركها في زمن محدد وحساب سرعتها؛ ففي البداية يحدد مكان الهدف المتحرك وتوقيته في موقع ما ثم بعد فتره زمنيه محدده يعاد تحديد مكان الهدف وتوقيته في موقع أخر، وبحساب المسافة التي تحركها الهدف بين الموقعين الأول والثاني والزمن الذي استغرقه في قطع هذه المسافة تُحدد سُرعة الهدف؛ وقد طبق العاملون في معمل أبحاث البحرية الأمريكية ذلك خلال تجارب اكتشاف الرادار عام 1922م وفي العام 1934م كان جهاز الرادار الأمريكي قادرًا على اكتشاف الطائرات على مسافة 50 ميلاً وفي هذه الفترة كان هناك عمل مشابه يُنفذ في بريطانيا وألمانيا[5].
وفي الوقت نفسه، كانت الإجراءات المضادة للرادارات تسير سيراً حسناً، مثل مستقبِل التحذير الراداري وهو جهاز استقبال راداري يُركب في الطائرة أو في القطعة البحرية، يمكنه استقبال نبضات الرادار المعادي، فيعطي إنذاراً لقائد الطائرة أو للقطع البحرية أنه أصبح مكَتَشفاً رادارياً، وعليه تنفيذ التدابير الإلكترونية لتجنب هذا الكشف.
الانترنت تطور نوعي أم حرب مستقبلية!
لكن أعظم اكتشاف ظهر في مسار الحرب الإلكترونية كان ظهور "الإنترنت" وانتشاره في العقد الأخير من القرن الماضي؛ فلقد توقع الخبراء في مجال الإنترنت أن أي اعتداء عسكري أو إرهابي قد يحدث ضد الولايات المتحدة الأمريكية في حال وقوعه، لن يكون باستخدام طائرات أو متفجرات كما حدث في 11 سبتمبر أو حتى انتهاك للحدود الأمريكية، بل سيكون هجوما في الفضاء الإلكتروني يشنه قراصنة الكمبيوتر، بحيث يكون قادرا على تدمير الاقتصاد والبنية التحتية الأمريكية بنفس القوة التي قد يتسبب بها تفجير مدمر[6].
ورغم صعوبة هذا التصور للوهلة الأولى إلا أن الولايات المتحدة بدأت بالفعل في استخدام هذا السلاح للهجوم والحماية وفي نفس الوقت يعكف الخبراء في وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" حاليا على تطوير قدرات الإنترنت لشن هجوم على أنظمة الحاسبات التابعة للدول الأخرى، وذكرت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" أن بعض المسئولين العسكريين رفيعي المستوى يدفعون البنتاجون للمضي في الهجوم الإلكتروني عبر تطوير قدرات الإنترنت لشن هجوم على أنظمة الدول الأخرى الإلكترونية بدلا من التركيز على الدفاع عن الأمن الإلكتروني الأمريكي فقط.
وحسب اقتراحات العسكريين الذين أثاروا جدلا واسعا سيكتسب العسكريون معرفة طريقة الاستيلاء على طائرات العدو من دون طيار وشل قدرة طائرات العدو الحربية أثناء القتال، وقطع الكهرباء في وقت محدد عن بعض المواقع الإستراتيجية.  ولكن الإستراتيجية العسكرية الأمريكية لعمليات الإنترنت التي رفع عنها السرية العام الماضي، أثارت نقاشاً في البنتاجون مجددا وأعطت الجيش الضوء الأخضر للدفع نحو توسيع القدرات الإلكترونية. ونقلت الصحيفة عن وزير القوات الجوية السابق مايكل وين قوله: "مع مرور الوقت سيكون عالم الإنترنت جزءا هاما من تكتيكات الحروب"[7].
القرصنة الإلكترونية حرب يومية!
لم تعد عمليات القرصنة الإلكترونية مجرد عمليات عشوائية تتم بدافع الفضول، بل أصبحت جريمة منظمة ومتخصصة تعتمد على أحدث الوسائل والبرامج للدخول إلى الأنظمة الإلكترونية وسرقة محتوياتها مثلما حدث في الولايات المتحدة عندما تعطلت أجهزة الكمبيوتر بمكتب وزير الدفاع الأمريكي، والأعوام القادمة ستشهد مزيدًا من عمليات القرصنة الإلكترونية التي تمهد لاشتعال سباق حربي إلكتروني حول من يتزعم هذا المجال ومن يكون الرائد فيه، وكل المعطيات تشير إلى بداية حرب باردة إلكترونية بين الولايات المتحدة والصين، بل إن وزير الدفاع الأمريكي قد صرّح يوم 7 مايو الحالي بضرورة تفادي "حرب عبر الإنترنت" بين الصين وأمريكا!
ولذلك كانت الصين قد أعلنت عن إنشاء "الجيش الأزرق" وهى إدارة خاصة بجيش التحرير الشعبي الصيني، من أجل حماية الفضاء الإلكتروني الخاص بالجيش على شبكة الإنترنت، والعمل على زيارة مستوى أمن شبكة القوات المسلحة الصينية اهتماما بالغا وأصبحت موضوعا ساخنا للمناقشة بين المشجعين والخبرات العسكريين، ودخل هذا السلاح الجديد إلى كل دول العالم تقريبا، واستخدامه بالقطع متفاوت من حيث التقدم والتأخر بحسب تقدم وتأخر الدولة الراعية[8].
هذا باختصار مقال طاف مع "قصة الحرب الإلكترونية" منذ نشأتها وتاريخ تطورها وإلى اليوم، وإنه لمن دواعي الأسى ألا يقارن معطى الدول العربية والإسلامية في هذا المجال منذ النشأة وإلى اليوم مع تلك الدول اللهم إلا بأقل القليل، بل الأصل الاعتماد المفرط على ما يُصدّره العالم التقني المتقدم إلينا!
نُشر في مجلة الوعي الإسلامي الكويتية عدد شعبان 1433هـ


[1] موقع ويكيبديا، مادة حرب إلكترونية على الرابط: حرب_إلكترونية/ ar.wikipedia.org/wiki
[2] عبد الكريم صالح المحسن: ساحة المعركة العظمى التالية: الفضاء الإلكتروني، جريدة دنيا الرأي العراقية بتاريخ 12/1/2012م.
[3] موسوعة المقاتل العسكرية الإلكترونية على الرابط: http://www.moqatel.com
[4] مقال بعنوان "مفهوم الحرب الإلكترونية"، موقع المركز العربي لأبحاث الفضاء الإلكتروني، على الرابط: www.accr.co/?p=7988
[5] موقع ويكيبديا: مادة رادار، الرابط: رادار/ ar.wikipedia.org/wiki
[6] موسوعة المعرفة، مادة "حرب الإنترنت" على الرابط: www.marefa.org/index.php
[7] منتدى الجيش العربي على الرابط: http://www.arabic-military.com
[8] موقع اليوم السابع المصري الإخباري، تحقيق بعنوان "الصين تستحدث الجيش الأزرق لحماية شبكتها من القرصنة الإلكترونية"، بتاريخ 26/5/2011م.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق