ستون يومًا تقريبًا وتدخل الجمهورية المصرية مرحلة جديدة من تاريخها بعد ثورة شعبية مجيدة أطاحت بالفاسدين الظالمين، حيث ستبدأ الانتخابات البرلمانية المتوقع أن تكون من أنزه وأفضل الانتخابات في تاريخ مصر بعد انقلاب 52، يختار الشعب من خلالها من يرونهم أهلاً لهذا البرلمان الذي سيتمخض عنه انتخاب لجنة تأسيسية لإنشاء الدستور الجديد من المأمول منه أن يرسخ الديمقراطية والمدنية واحترام الإنسان المصري الذي أُهين عبر عقود من الظلم والذل و"الاستكراد"!
على أننا لا يجب بأي حال أن نكون من الحالمين المغفلين عما يدبره كل "حوت" داخلي وخارجي لإفشال الخريطة التي توافق عليها أغلبية المصريين في الاستفتاء الماضي (19 مارس)؛ فحيتان الداخل من الفلول وأمثالهم لا يمكن أن يرضوا بسهولة أن تضيع مكاسب "تحت التربيزة" بهذه السرعة، وتلك القوة التي تلقتها مصالحهم المباشرة، ولذلك فإننا نجد وسنجد كل المؤامرات والدسائس التي من شأنها تكدير الأمن العام، وإيقاع الجيش في الشعب، ونشر الفوضى، والشائعات التي لطالما تقبلها المصريون من حيث لا يدرون أصلها ولا فصلها، كل ذلك لإرجاع الحكم العسكري الذي لا يفهم ألاعيب السياسة ومؤامراتها، أو الإبقاء على الوضع الراهن على الأقل، وعدم خسارة المزيد من "الحيتان" التي تتستر بدورها على "الأرانب" الصغار!!
أما حيتان الخارج، فلا يهمهم من كل هذا إلا التأكد من تبعية "الحكومة" المصرية و"ولائها" لأمريكا وأوربا الغربية، ومن ثم عدم تعرض مصالح إسرائيل لأي خطر أو مساس بالاتفاقات التي تضمن بقاءها آمنة مطمئنة ممتصة لدماء الشعوب العربية المقهورة، وهؤلاء أيضًا لا يمكن أن يرضوا بأقل مما كانت عليه مصر سابقًا، وقد اعتبرت الولايات المتحدة ما يحدث في العالم العربي أكبر خرق أمني تعرضت له في العشرين عامًا الأخيرة، ولذلك هم حريصون على تطويق الثورة المصرية، والتحكم فيها، والإنفاق على الأفراد والمؤسسات التابعون لهم والساعون لتحجيم الثورة وتغيير مسارها بحجة نشر الديمقراطية، وقد رصدت أمريكا وحدها أكثر من 150 مليون دولار فضلاً عن فرنسا وبريطانيا وبقية دول الاتحاد الأوربي وكل هذا معلن ومعروف!!
إذن الثورة المصرية أمام طريقين: إما الانسياق خلف الفوضى والشائعات ومحاولات الإيقاع المتكررة بين الشعب والجيش، بحجج شرعية كانت أو خيالية، والشرعية يمكن التواصل فيها مع المجلس العسكري بالطرق الشرعية وليس المواجهة التي من خلالها يمكن أن يتسلل "الفلوليون" بكل سهولة ويسر وحرية كما رأينا في أحداث يوم الثلاثاء الماضي عقب حل المجالس المحلية أكبر ماخور من "الأرانب" الفاسدة في مصر। والخيار الثاني أن نصبر ستين يومًا أخرى تعهد فيها المجلس العسكري عشرات المرات منذ قيام الثورة والاستفتاء باحترام إرادة الشعب بإجراء الانتخابات ليتسلم مقاليد السلطة في البلاد "المصريون الأصليون" من المدنيين الذين نُحّوا وأُقصوا منذ مجيء محمد علي لسدة الحكم قبل 200 سنة تقريبا، وأي تفاصيل منغصة أخرى يمكن أن نحيلها إلى البرلمان المنتخب، والرئيس القادم، وأي تباطؤ في الإصلاحات وعدم حل المشكلات العالقة بالصورة المرجوة (كقضايا الحكم على قتلة الشهداء) فميدان التحرير خير ضامن على استمرار ثورتنا ولا يكون ذلك إلا بتوافق كل المصريين، وهذه هي الأولوية التي يجب أن ننتبه لها، كما يجب ألا ننشغل بالمعارك الجانبية التي بعضها مطالب شرعية قطعًا، ذلك أن الانشغال بهذه المطالب وتكبيرها وجعلها تطغى على الجو العام في البلاد قد يسوغ للمجلس العسكري أن يُطيل الفترة الانتقالية لعامين أو أكثر بحجة حل المشاكل العالقة، والحفاظ على الأمن العام وسلامة الوطن والمواطنين، ولا يمكن لأي أحد وقتها أن يضمن ما يُعمله بريق المال والسلطة في الأفراد أيًا كانت صفاتهم ومؤسساتهم التي جاءوا منها، فإن لم نصبر ستين يومًا فقط، و"نستعصم" و "نستميت" على ما تم التوافق عليه في استفتاء 19 مارس فلنا في الستين عامًا الماضية العبرة والعظة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق