ينقسم التيار السياسي الإسلامي في مصر إلى عدة أقسام وقوى، يأتي على رأسها الإخوان المسلمون وحزبهم العدالة والحرية، ثم الأحزاب التي انشقت عنها وتتبع ذات الأفكار غير أنها تختلف في بعض التفاصيل كحزب الوسط والنهضة وهناك أحزب تنتهج الوجهة الإسلامية كحزب الريادة وحزب الإصلاح والتنمية، غير أن هذه القوى جميعها مع احترامنا لها لم تكن لتصل إلى الاتفاق على التظاهر يوم 29 يوليو القادم ثم الاعتصام المنشود من بعض شباب هذه الجماعات والأحزاب دون وجود قوة فوجئ الجميع بصلابتها ودفاعها القوي والمستميت عن الحق، إنها القوى السلفية متمثلة في دعوتها الشهيرة، وحزب النور الذي يمثل قطاعًا كبيرًا من السلفيين الحريصين على تصحيح مسار الثورة لا يقلون عن أية قوة أخرى في مصر، لا من حيث العقول والطاقات والقيم الأخلاقية والمعرفية التي يتكئون عليها في عملهم لإصلاح هذا الوطن الذي يُلعب به الكرة بين الكل دون وجود التيار الإسلامي السياسي الذي اعتاد أن يكون على مقعد البدلاء مستمتعًا بهذا المقعد الوثير!
القوة السلفية إذن هي حصان طروادة الذي يمكن أن نعول عليها بعد الله U ومع بقية القوى الإسلامية الأخرى في إبراز حجم الإسلاميين الحقيقي في هذا الوطن، وإن التشويه الذي مورس في جنابهم طوال الأعوام العشرين الأخيرة من الإعلام القذر والأفلام المنحطة ومن المؤسسات الرسمية في الدولة حتى بات كثير من المصريين يوجلون من كل سلفي طليق اللحية نظرًا للصورة السلبية والنمطية التي غُرست في أعماق البسطاء من الناس، هذا التشويه لم يثنهم عن اتباع الحق، وتطوير رؤيتهم في انتهاج العمل السياسي لحل كثير من الإشكاليات التي طالما واجهتهم وواجهت التيار السياسي الإسلامي.. وقد شاء الله أن يغير ما كانوا فيه من العسر والضيق والعنت إلى الرحب والسعة وتعضيد التيار الإسلامي بل والاتحاد في كيان أحسبه المنقذ من الضلال والتيه وحالة "الانبطاح الثوري للإسلاميين" من قبل، هذا الكيان هو "الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح" وهي الهيئة التي دعت إلى رفض وثيقة المبادئ الدستورية التي تعد التفافًا على الاستفتاء الماضي، وصفعة لكل إسلامي ووطني من خلال مليونية 29 يوليو القادم.
إن الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح هيئةٌ عمادها الإخوان المسلمون والسلفيون ومجموعة من علماء الأزهر الشريف، وهذه الهيئة كيان جديد لم يعرفه الإسلاميون من قبل بهذه القوة والاتحاد والتشبث على قلب رجل واحد لتحقيق المطالب المشتركة في القضايا السياسية والفكرية والعلمية المستجدة، ويمكن أن يرجع القارئ الفاضل إلى مختصر نظام الهيئة للتعرف على مبادئهم ولائحتهم الجيدة، وأحسب أن حالة التوحد الإسلامي هذه في مواجهة التطرف والبلطجة من بعض القوى العلمانية سليطة اللسان، عالية الصوت هي القادرة على ضبط ميزان الثورة المصرية وعدم اختطافها أو ركوب موجتها.
ويوم 29 يوليو هو الاختبار الحقيقي لهذه الجموع من الإسلاميين؛ فالمصريون الوطنيون لن يقبلوا أن يُخدعوا من قبل المجلس العسكري أو القوى العلمانية والليبرالية التي لا تملك الوزن والثقل والشعبية التي يتمتع بها الإسلاميون؛ ولذلك فإن الأمر قد يتطور إلى اعتصام (وهو حق مشروع طالما نادى العسكريون باحترامه) حتى تحترم المؤسسة العسكرية إرادة المصريين في انتخاب من يشاءون ووضع الدستور الذي يتبناه الشعب دون وصاية ممن يحسبون أنفسهم أن صوتهم أغلى وأثقل وأهم من المصريين "الرعاع"!
وإذا نجح هذا التحالف الإسلامي في تحقيق مطالب مليونية 29 يوليو أو الاعتصام الذي قد يتبعه فأحسب أن هذه بداية قوية للتيار الإسلامي في مصر يمكن أن تكون نواة لاجتماع الإسلاميين على كل صغيرة وكبيرة فيما بعد، وهي أيضا لحظة تاريخية حاسمة نرى فيها بوضوح دور القوة السلفية الصاعدة في تعضيد وتقوية الجدار الإسلامي الفولاذي الجديد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق