الثلاثاء، 9 أغسطس 2011

حين تنبطح مصر!!

من يقرأ كتاب العبقري جمال حمدان "شخصية مصر" يحسب للوهلة الأولى أن الرجل قد يتكئ على التراث الفرعوني القومي في وصفه للأمة والشخصية المصرية، لكنه وهو الجغرافي العظيم لا ينطلق في وصف الشخصية المصرية إلا من العروبة والإسلام، غير متجاهل الأصل الفرعوني للمصريين، لكنه يرى أن العروبة والإسلام قد غيرتا الشخصية المصرية من ضيق القومية إلى آفاق أرحب، وعوالم اكتشفت هذه الأمة من خلالها ما كانت تبحث عنه منذ أمد بعيد!

وإنه لمن المستغرب حقًا أن يأتي القرآن الكريم بذكر مصر المرة تلو الأخرى ويقف المصريون أمام الآيات البينات عاجزين عن تحقيق ما أراده الله من خلالهم شعبًا ووطنًا لدينهم وأنفسهم وإخوانهم الآخرين.

وإن ما يمكن أن نتلمسه في القرآن الكريم من خلال ذكر قصة موسى وفرعون مصر، وهي من أكثر القصص ورودًا، وموسى عليه السلام من أكثر الأنبياء ذكرًا، ومصر من أكثر البلدان إشارةً أن نجد الله عز وجل يخاطب الناس كافة من خلال المصريين الذين استُعبدوا وذاقوا مرارة الظلم والضيم والاستخفاف لكي يقاوموا الظلم، ولا يقبلوه أبدًا لأن الإنسان لا يمكن أن يشعر بإنسانيته وآدميته ودينه وحياته وعزته وبلده وأهله وقومه وهو مسلوب أغلى ما أُعطي له وهي الحرية التامة دون نقصان أو جبرية كما نقرأ في تاريخ الفرق الإسلامية التي آمنت بعضها بهذه الجبرية، وقد كان من الرائع أن نجد رسالة "مشكلة الحرية في الإسلام" للدكتور فاروق الدسوقي من أعظم رسائل الماجستير في القرن العشرين؛ ذلك أنها أثبتت بالأدلة القاطعة المبهرة أن لا جبرية في الإسلام، وأن المسلم حر مختار لأفعاله، وقد نال بها جائزة الملك فيصل العالمية في الثمانينيات وهي من أعظم الجوائز الإسلامية؛ وما ذلك إلا دليل على أن الله خلق الإنسان حرًا، وجعل الحرية إحدى المقاصد الكبرى لهذا الدين العظيم!

وفي ظل الخصوصية الإلهية للمصريين في المكان والشخوص والدين، وما حباهم به آخرًا من نعمة الحرية التي ظلوا يبحثون عنها منذ مائتين عام أو يزيد، فإنه من العار أن نرى الدولة المصرية منبطحة تجاه دولة أعتبرُها من أعظم الدول حبا للمصريين، ولشعب أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ما فيه من الإيمان والإسلام واليقين، فضلاً عن تاريخ مجيد بيننا وبينهم، هؤلاء هم السوريون أهل الشام، منبع الإيمان، ومعقل العزة، وموطن ساداتنا من رجال الإسلام.

لقد ظلت مصر ترزح تحت وطأة الحكم العبيدي الفاطمي الشيعي الذي فتن الناس عن دينهم، وقتّل علماءهم، وسجن الناس وعذبهم وأهلكهم مدة 260 سنة تقريبا حتى بعث الله لنا نور الدين محمود ليرسل صلاح الدين الذي تُصلُح على يديه أحوال البلاد والعباد في مصر ومعه جند الشام البواسل، وبعد الأيوبيين جاء المماليك ليجعلوا القاهرة عاصمة الإسلام ودمشق درة الشام وتاج المملكة المصرية في اتحاد جعل مصر والشام أعظم دولة في القرون السابع والثامن والتاسع الهجري.. وطوال تاريخ مصر وسوريا لا نكاد نفرق بينهما حتى جاء المستعمر ثم نكبة فلسطين ثم مصيبة الجمهورية العربية المتحدة التي شوهت العلاقة بين البلدين، ليأتي بعدها النظام البعثي الرجعي القميء حابسًا لأنفاس أحرار سوريا مدة تزيد على الأربعين سنة متصلة حتى أرادوا أن ينفضوا عن أنفسهم هذا الخزي والاستخفاف والاستعباد فما وجدوا إلا القتل والسحل والتعذيب والتنكيل...

كل هذا ونحن في مصر مشغولون بأحوالنا، متذرعون بأننا في فترة انتقالية فيها من المصائب والبلايا ما يشغلنا عن هؤلاء المعذبين في الأرض، ونحن نستمتع ونضحك ونلهي، وأنا لا أدعو إلى "العكننة" أو إلى حتى الالتفاف حول أنفسنا بحجة إن "اللي فينا يكفينا" .. فمصر التي وصفها الله "بالأرض" في سورة يوسف، وهو وصف يشير إلى العظمة والمكانة لا يمكن بأي حال أن تنكفئ على نفسها.

لقد آن الأوان أن نرد لمن انتشلونا من ربقة التشيع والذل والكفر بالله ورسوله الجميلَ، وأن نُعينهم على متجبر لا يخشى عبدا ولا رباً، وإني لأندهش من صمت وسكوت وتجاهل وزير خارجيتنا المبجل الذي لم نسمع له حسًا ولا رأيًا منذ توليه وهو الذي يعبر عن مصر الثورة والحرية، وأندهش من المجلس العسكري الذي يعي قيمة الدم، ويعرف قيمة سوريا إلى مصر من الناحية الإستراتيجية والقومية والعربية والتاريخية فيسكت ويصمت هو الآخر بحجة أن ما يحدث هناك أمر داخلي .. أمر داخلي يُقتل فيه الطفل، وتغتصب فيه المرأة، وتُلقى فيه جثث الشهداء من فوق الترع والأنهار في مشهد يبعث الكآبة والألم والحسرة على حال مصر المنبطحة التي تريد أن ترفع عن نفسها قيد العبودية، وأثقال الرق الماضية بعد ثورة عرفنا من خلالها جميعًا قيمة الدم!

إن مصر تستطيع أن تساعد هؤلاء المعذبين في الأرض بأدوات كثيرة ليس مثلي من يشير على الدولة المصرية بماهيتها، لكن منها إيقاف كل القنوات السورية المناوئة للثورة من القمر المصري الذي يملكه الشعب المصري، ومنها سحب السفير المصري من دمشق فلسنا أقل من السعودية في ذلك، ومنها تنشيط السيد وزير الخارجية ووزارته والاستفادة من الدور التركي بل تأييده وتعضيده والوقوف بجانبه، وغيرها من الوسائل الأخرى..

لقد انبطحت مصر قرونًا عديدة فما جنى هذا الانبطاح والانكفاء على النفس سوى الخسران والدمار وتمزق المسلمين والعرب إلى أشتات يُعبث فيها، ودمىً يُلعب بها، وأصبحت مصر والعرب من خلفها أضحوكة لأهل الأرض حتى تداعت علينا الأمم॥ فهل تسكت مصر لنعيد مسلسل المائتي عام الأخيرة مرة أخرى؟!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق