بعد حوار بُحّت فيه الأصوات، وتجاذبت فيه الآراء، وانقسمت فيه الشخوص خرجتُ بهذه النكتة السياسية التي تقول: مرة واحد علماني بقا رئيس ترك الإسلاميين يبرطعوا ويستولوا على الدولة من الأسفل لأننا أصبحنا في عصر الحرية والديمقراطية!!
إذا سألت أي إسلامي سؤالاً بسيطًا: أي ضمانة ياصديقي تجعلك واثق الخطـا بأن هذا العلماني الذي سيصبح قطعا رئيسًا للجمهورية - نتيجة تشتت آرائكم، وتشرذم قواكم، وعدم وقوفكم خلف مرشح إسلامي- يترك لكم الحبل على الغارب، ويفسح أمامكم الطريق وكأنكم البشوات الذين نراهم في الخيال والواقع في طرقاتنا وشوراعنا يفسح لهم العامة والخاصة الطرق، بل يفرشونها رملا وقد يلقون عليكم من الورود والرياحين الشيء الكثير؟ فلا تكاد تجد إجابة تشفي غليك، وتسكن غيظك، وتهدئ من فوران دمك.. بل تجد التفاصيل المرهقة، ونموذج يفقع مرارة العبد الصائم يؤكد على أن التفكير السياسي للإسلاميين لا يزال في مرحلة الحبو التي يُضحك فيها على الصغير بأقل جهد ممكن!!
إذا قلتَ مثلاً للإخوان المسلمين لماذا لم ترشحوا منكم رئيسًا للجمهورية؟ قالوا: لأننا نريد أن نضمن للجميع بأننا لسنا طلاب سلطة في الوقت الحالي، فضلاً عن أن الأوضاع السياسية غير مستقرة نخاف منها الفشل فتنقلب السلطة من نعمة إلى نقمة، ثم الأوضاع الدولية التي تتحسس من الإسلاميين "الأشرار".. فإذا رددت عليهم وقلت لهم: وكيف تقبلون أن تأتوا لسلطة قرّ قرارها غيركم، وملك من الشجاعة والحنكة أن يمهدها لكم؟ ثم من يضمن لكم أن من يأتي إلى السلطة لا يغير ولا يبدل ويجعل المزاج العام والرسمي ضد التوجه الإسلامي كما كنا أيام حسني، وهو يملك فعل ذلك بحلول اجتماعية واقتصادية بسيطة فلا تجد إلا من يقول: إن مصر بعد الثورة تختلف عن قبلها، وأن دخولنا البرلمان بنسبة مطمئنة تجعلنا أصحاب قدرة على الوقوف ضد أي مشروع لا يتوافق مع المشروع الإسلامي والوطني. فإن قلت لهم: أي نسبة مطمئنة هذه تجعلكم قادرين على تمرير القوانين التي تريدونها، أو الاعتراض على ما ترونه تعديًا من النظام القادم على الشعب وأنتم تريدون نسبة 50% وهي بحسابات السياسة لن تصلوا إليها ما يجعلكم مضطرين على التوافق مع بعض الأقليات السياسية لتمرير القوانين أو الاعتراض على بعضها، وهذا هو الخطر بعينه؛ لأن هذه الأقلية السياسية ستكون في لحظة من اللحظات أداة ضغط عليكم من حيث لا تحسبون، وقد تقف حجر عثرة أمامكم... فلا تكاد تجد مجيب!!
إن هذه الفلسفة التي تربينا عليها لفترة طويلة تمثل في ظني مشكلة في تطور الأفكار عند الإسلاميين؛ ذلك أن اللحظة الحالية التي نرى فيها الفريق العلماني متكالباً على السلطة، ملتفًا على إرادة الشعب، مجبرًا الإسلاميين على التحفز طيلة الوقت نتيجة أفعاله المتغيرة بحسب مصالحه وأهوائه والتي تتعارض مع المصريين المغيبين بمشكلاتهم الاقتصادية والاجتماعية، بل تحوله كأن لم يكن يعرف أن هناك إسلاميين كان متوافقًا معهم في وقت من الأوقات كما نرى الدكتور علي السلمي مثلاً، تحتم على الإسلاميين بكل جماعاتهم وطوائفهم أن يتحدوا في فريق سياسي معلن أو غير معلن يكون غرضه الحرص على أغلبية الإسلاميين في البرلمان إن لم يقفوا خلف مرشح للرئاسة وهذا هو أضعف الإيمان، لأن الفكرة القديمة التي تقول بأن التغيير لابد أن يأتي من أسفل ما عادت بعد الثورة ومن قبلها حقيقة تؤتي ثمارها، أو على الأقل لابد من خطوة موازية لها تمثل استغلال لحظة ما بعد الثورة للوصول لسدة الرئاسة وأغلبية البرلمان، وإن التاريخ والواقع يشهدان على ذلك، فهناك مثالان من التاريخ سعيا لتغيير واقع المسلمين المزري بالحرص على تملك زمام البلاد منذ اللحظة الأولى لميلاد تلك المشاريع، كدعوة محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية في القرن الثاني عشر الهجري ومن قبله دعوة عبد الله بن ياسين ويوسف بن تاشفين في دولة المرابطين الشهيرة، والأمثلة على ذلك أكثر من أن يحصرها كتاب فما بالنا بمقال؟!
ما أود قوله بصريح العبارة: إننا لا نضمن في ظل فريق علماني معلوم تاريخه جيدًا أن يُسمح للإسلاميين السيطرة على النقابات والهيئات والمؤسسات التي تأتي بالانتخاب، أو إتاحة الفرصة المناسبة لنشر المشروع الإسلامي الكبير بين الناس كافة في الأعوام الخمس أو العشر المقبلة، ومن ثم فنحن لا نريد أن نعيد مرارة الأعوام الثلاثين الأخيرة، نهدي غيرنا – بتقاعسنا وعدم استثمار الحظة الحالية – ما خرج بسببه 18 مليونًا من الثوار الأحرار الذين أسقطوا فعليًا النموذج "العلماني العسكري" الذي حكم البلاد طيلة ستين عامًا متصلة.
ولا عيب على الإطلاق أن نرى أن المصلحة تحتم على الإسلاميين الآن في ظل الصدمات المتكررة من الفريق العلماني أن يعلنوا صراحة وقوفهم خلف مرشح إسلامي بعينه، وأنهم سيخوضون الانتخابات البرلمانية للحصول على الأغلبية، وإن قيل إن المجتمع الدولي سيكون "حساسًا" من وصول الإسلاميين للحكم، فلا قيمة لهؤلاء الذين سيظلون على تحسسهم وكرههم للمشروع الإسلامي إلى يوم القيامة، لا فرق في ذلك من تحسسهم الآن أو تحسسهم بعد خمس أو عشر سنوات.
وإذا قيل إن المجتمع غير مؤهل لوصول الإسلاميين الآن، فلا قيمة لأقوال نظرية عفى عليها الزمن، فليصل الإسلاميون إلى الحكم بواسطة الانتخاب الشرعي ثم يحكم كل الناس عليهم عمليًا، لكن أن نترك مصر – بسبب توازنات سياسية تحسن صورتنا عند الآخر وهو غير آبه لنا ولو أوقدنا له صوابعنا العشر شمع كما يقال – لمن حكمونا منذ محمد علي وإلى الآن فهذا هو الحمق بعينه، ولا أعرف سوى أن الإسلام يحض أتباعه على التفطن والكياسة والحذر من مكر الماكرين!
رسالة أخيرة أوجهها لكل الإسلاميين سوى الإخوان الذين التزمزا بما صرحوا به: عليكم بالترشح بكثافة في الانتخابات البرلمانية القادمة لتكونوا أغلبية مع الإخوان في ذلك، وعليكم بالوقوف مع مرشح إسلامي حين يتم الإعلان عن بدء الانتخابات الرئاسية أسأل الله أن يولي أمورنا خيارنا।
نشر في شبكة رصد الإخبارية و المصريون
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق