السبت، 10 سبتمبر 2011

الإسلاميون والتقاعس عن مليونية 9 سبتمبر!

حينما تساءلت عن غياب الإسلاميين عن مليونية 9 سبتمبر، لم أجد جوابًا من أحد حتى أصدر الدكتور الكتاتني رسالة صريحة بعدم مشاركة الإخوان في هذه المليونية بحجة عدم توافق القائمين عليها على مطالب محددة.

أفهم أن هذا حقيقي خاصة في ظل من ينادون بمجلس رئاسي مدني يريدون أن يأخذوا – في نظر أغلبية الإسلاميين - بمسار العملية الديمقراطية إلى اتجاه اللاعودة مع عدم تحقق ذلك فعليا وواقعيًا، لكن ما لا أفهمه هو لمَ يكون الإسلاميون في المجمل في خانة رد الفعل، وليس الفعل؟ ولم لا يبادرون هم بالمطالبة بمليونيات تتحقق من خلالها ما لم يتم تحقيقه حتى الآن؟

أفهم كذلك أن الإسلاميين مقتنعون بأن هذه الفترة هي انتقالية لا أمل من المطالبة بإصلاحات حقيقية فيها من حكومة ومجلس عسكري لا يملكان من أمرهما سوى أنهم منتقلون زائلون عند تسليم هذه السلطة لرئيس مدني منتخب بإرادة الناس، لكن ما لا أفهمه أن هذا كلام نظري في ضوء المتابعة العامة لمجريات الأوضاع في مصر، فلا تم تحديد إجراء موعد الانتخابات البرلمانية، ولا تم تحديد موعد انتخاب لجنة إنشاء الدستور، ولا تم تحديد موعد الاستفتاء على الدستور الجديد، ولا تم تحديد موعد انتخاب رئيس الجمهورية، فلم كل هذه الطمأنينة والأناة من الإسلاميين؟ وأي ضمانة تجعلهم صابرين على الأوضاع المزرية لحين إجراء الانتخابات أيًا كانت هذه الانتخابات وهي لم تتحدد بعد؟!

لقد كان مشهد والد الشهيد الذي سحل على الأرض أمام أكاديمية الشرطة بالتزامن مع المحاكمة المكيفة للرئيس المخلوع مؤثرًا لكل ذي عينين، بل لكل من تنسم نعيم الحرية على دم أبناء هؤلاء فنراه وقد فتح الله عليه وأخرجه من جحر الظلم إلى سعة الحرية، فكيف لا نطالب بإرجاع حقوق هؤلاء الشهداء بأقصى سرعة؟ وكيف لا يدخل هؤلاء إلى قاعة المحكمة التي بها زبانية قتلوا أبناءهم؟ ثم كيف نصبر على محاكمة شهد بعض المراقبين فيها بالأمس والمدعين بالحق المدني أنها تستفز كل من يتابعها، ونحن لا نشكك في هيئة المحكمة غير أن أفعال دفاع المتهمين وشهود الإثبات الذين حكم على أحدهم بالسجن لإتلافه أحراز الثورة لا يمكن أن نطمئن إليها.. وأي شاهد إثبات هذا؟!

على أية حال ليست محاكمة هؤلاء إلا أحد الأسباب التي تحفز الإسلاميين على النزول لحراسة الثورة، وتنبيه القائمين على شئون البلاد أنكم مستمرون بكل الوسائل المشروعة في حماية الثورة، ثم إن من جملة الأسباب القوية التي تدفعكم دفعًا للنزول هي رفض محاكمة المدنيين عسكريًا، وإعادة محاكمة الشباب أمام القضاء الطبيعي، فهم لا يقلون عن الرئيس المخلوع قيمة أو كرامة أو وطنية بل العكس هو الصحيح تمامًا.

فكما جلس الإخوان مع أحزاب التحالف الديمقراطي فعليهم التنسيق مع شباب الثورة من الوطنيين القائمين على تنظيم هذه المليونيات للوصول للحلول الوسطى، وذات الأمر لابد أن يحدث من طرف السلفيين والأذرع السياسية لهم وعلى رأسها حزب النور، فالقضايا الاجتماعية والسياسية لا تقل أهمية عن مسألة الهوية الدينية و الثقافية لمصر، والمطالب التي يمكن أن تتحقق الآن لا يجب أن تتأخر بحجة أننا في مرحلة انتقالية، فالسلطة المطلقة مفسدة مطلقة كما رأينا، والرقابة على أداء الحكومة والمجلس العسكري لابد أن يتم من خلال الأحزاب السياسية والإعلام الموضوعي الذي يبغي الخير لهذا البلد، لا سيما والأدوات الرقابية الفعالة مفتقدة من مجلس شعب وشورى ومجالس محلية.

إن علة عدم النزول بحجة عدم التوافق أو أن القائمين على هذه المليونية من الليبراليين أو بعض الثورجية الذين لا يعجب أدائهم أو غايتهم بعض الإسلاميين هو خلل فكري وسياسي كبير، لقد كان من اللافت أن المليونية التي حشد الإسلاميون فيها أنفسهم والتي أثنيتُ عليها كثيرًا؛ كانت رفضًا للمبادئ فوق الدستورية، والحد من إطلاق أيادي أصحاب الصوت العالي والمصالح المعروفة، لكن مطالب تطهير الدولة من المفسدين وتفعيل قانون الغدر والمطالبة بنتائج التحقيقات التي قتل فيها الصهاينة ستة من أبناء مصر، والتي لا تزال إسرائيل متعنتة متكبرة عن الاعتذار الرسمي أو حتى تعويض أهالي الشهداء أو أي فعل نرى من خلاله أنهم على يقين أن الثورة المصرية قد غيرت سياستنا الخارجية إلى الأقوى والأفضل، ثم المطالبة بأموال مصر المنهوبة - التي يتحسر المصري حينما يرى أن الليبيين الذين لا يزالون في مرحلة الثورة وتطهير البلاد قد استطاعوا أن يرجعوا ما يزيد عن عشرين مليار دولار فضلاً عن البقية الباقية، فأين نحن من هؤلاء وثورتنا نجحت قبل أن تبدأ ثورتهم؟! - كل هذا لابد أن يتم بالتوازي مع التحفز والترقب للتحول السياسي المنشود، وكل هذا لابد أن يقوده الإسلاميون بكافة الوسائل وعلى رأسها المليونيات التي أثبتت نجاعة في الأشهر الماضية.

إن من يتأمل الأشهر السبعة الماضية محاولاً تقييم أداء المدبرين لشئون البلاد يجد أن البيروقراطية وسياسة التطنيش في كثير من الأوقات هي أنسب العبارات لوصف تلك المرحلة، والحل العملي للقضاء على هذه البيروقراطية والنمطية في التعامل مع قضايا الإصلاح الحقيقي أن يُذكّر المصريون ساستهم أنهم لا يزالون يراقبون أدائهم، ولا يلبثون عن المطالبة بكل حق لهم، ولا ينفكون عن تعزيز موقفهم وموقف المصريين في محاولة أكيدة منهم لإرسال رسالة مفادها أن الشعب هو مصدر السلطات في كل الآونة حتى لو كان الزمن زمن انتقال الثورة من البيروقراطية والتطنيش إلى يد الشعب في رئيس نتطلع أن يكون بحجم مصر!

أؤكد مرة أخرى أن الإسلاميين قادرون على التوافق والوصول لحلول وسط، فكما رأينا البعض فرحًا بوثيقة استرشادية عبرت – في رأيه – عن التوافق الإسلامي العلماني، فلم لا يتفق هؤلاء الفرحين بمنجزاتهم السياسية مع وقود الثورة الحقيقي من الشباب النابه؟ يمكن أن يُنحوا بند "مجلس رئاسي مدني" جانبًا، ولا يرفعه أحد في هذه المليونية، فالأرضية المشتركة، والمطالب المتفق عليها بين الإسلاميين والوطنيين تصل إلى 90% فكيف نتغاضى عنها ونتجاهلها؟!!!

نشر في شبكة رصد الإخبارية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق