الجمعة، 16 سبتمبر 2011

إيه الحل يا برادعي؟!!

لا يتوانى الدكتور البرادعي في الظهور بمظهر المخلِّص الحكيم، ولا أستبعدُ أن تسبغ عليه الصحافة القومية لقب "أب المصريين" و "الرئيس الحكيم" وغيرها من الأوصاف التي سمعناها أيام المخاليع وعلى رأسهم المخلوع الكبير إذا وصل إلى سدة الحكم!

لكن هذه الصحافة التي نطلق عليها قومية، ونقول بمنتهى النظرية والرومانسية أنها ملكٌ لنا، والتي تغيرت بعد الثورة (!!!) نشرت على صفحاتها الخطة الشاملة والمخلصة لانتشال الشعب من الحالة المزرية التي وصل إليها، بعد اقتتاله وتناحر أطيافه – هكذا تلمح الخطة العظيمة – ومن ثم يستدعي المشهد أن يأتي الفاهم الوحيد في هذا البلد ليقول لنا ماذا علمته السنون ولقاءاته المثيرة المليئة بذروة سنام الحكمة مع الخواجات و"الخواجين" فضلاً عن المغامرة.

عقب الإعلان عن تفعيل خطة الطوارئ والتوسعة فيها، وإغلاق قناة الجزيرة مصر بحجة إزعاج الجيران وعدم خضوعها للقانون، والصمت المريب الذي سبق هذه الأحداث من الدكتور البرادعي؛ إذ فجأة يطل علينا بجلسته الأرستقراطية النمساوية المعتادة ليدلي لمحرر الأهرام المتلهف بآخر ما وصلت إليه حكمته وإلهامه العظيم بخطة من خمس نقاط – والخطة الخماسية لها وقع كئيب في نفوس المصريين – أهم ما يلفت ناظرك بل يصدمك أيها القارئ الأريب البند الأول من الخطة والذي يرمي برأي 77,2 % ممن قالوا نعم في استفتاء 19 مارس في "الزبالة" أعزكم الله، فالرجل يستغل حالة الهياج والغضب الشعبي من تباطؤ الانتقال السريع إلى السلطة المدنية فيقول إننا نحتاج إلى "خطة طريق منطقية وواضحة للانتقال إلي نظام ديمقراطي مدني يقوم علي انتخابات حرة ونزيهة وممثلة لكل طوائف الشعب وفئاته، وهو ما يتطلب إعادة النظر في الإعلان الدستوري إضافة وتعديلاً، بحيث نبدأ من حيث بدأت كل الدول التي مرت بظروف مماثلة لنا بداية بانتخاب الشعب - مصدر السلطات - للجنة تأسيسية تمثل كل قوي الشعب رجالاً ونساء، وكل طوائفه الدينية والعرقية والفكرية لوضع دستور جديد، أو علي الأقل الاتفاق علي الملامح الرئيسية للدستور ومعايير انتخاب اللجنة التأسسية في إعلان دستوري يستفتي عليه الشعب، ويعقب ذلك إجراء انتخابات برلمانية تجري في ضوء قوانين انتخابية تأخذ في اعتبارها الظروف التاريخية التي مرت بها مصر في العقود الأخيرة".

بل من العجب أن هذه الخطة المفلقة ترمي إلى بقاء المجلس العسكري في الحكم مدة عام كامل آخر، فمن ذا الذي يريد من الشعب أن يطيل بقاء الفترة الانتقالية ولأي غرض يرمي؟ اللهم إلا السيد طلعت السادات الذي أخذها من قاصرها وأعلن عن أن الذي يصلح لهذا الشعب هو رئيس عسكري! يقول البرادعي: "في تصوري أن الانتهاء من تلك المرحلة الانتقالية لن يستغرق أكثر من العام إذا ما بدأنا من اليوم وهي المدة التي ستستغرقها أي مرحلة انتقالية مهما كان تسلسلها، وبعد أن أضعنا 7 أشهر في انقسام وتشرذم، وأكثر ما نحتاجه خلال تلك المرحلة الانتقالية هو حكومة إنقاذ وطني لها كل الصلاحيات لإدارة شئون البلاد داخلياً وخارجياً بالتنسيق مع المجلس العسكري والذي نحتاجه أكثر ما نحتاجه لحماية الوطن من الأخطار الخارجية التي تهدده". يريد أن يضيف على الأشهر السبعة عامًا آخر، ويبدو أن الأمور تتجه لإطالة هذه الفترة فعلا!

إن الذي يقرأ هذه الخطة الفذة لا سيما الفقرتين السابقتين لابد أن تأتي إلى ذهنه مجموعة من الأسئلة البريئة: من أي مدرسة ديمقراطية خرج هذا الرجل؟ هل يرى ما لا يراه الشعب؟ هل خطته هذه – باحتقارها لـ 14 مليون بني آدم – تطمئنا له ولفكره وعبقريته ونظرته الثاقبة لحجب الديمقراطية إلى الديكتاتورية؟ ثم لماذا تعرض الأهرام هذه الخطة عقب التصديق على تفعيل قانون الطوارئ وعلى صفحات جريدة ملك للشعب الذي قال أغلبيته نعم للاستفتاء الدستوري؟!

لا يمكن للمتابع لتصريحات وتفاعلات وتحركات البرادعي إلا أن يتوجس خيفة من هذا الرجل، فكل ما ينطق به كلام يخلط فيه الصالح بالطالح، وهذه هي الدبلوماسية والسياسة العالمية للدول الكبرى كلام مختلط "يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا". ولولا أن هذا الكلام صدر فعليا عقب أحداث السفارة وإعلان تفعيل قانون الطوارئ وغلق قناة الجزيرة لما ألقيتُ له بالاً!

***

إن جمعة تصحيح المسار لها بعض النتائج المهمة والإيجابية، أولها في رأيي إعادة تجديد الزخم الثوري الذي أُريد إخماده وتخديره وتنويمه، والكل مقتنع أن الصعود إلى السفارة والعبث بمحتوياتها كان خطأ، غير أن هذا الخطأ لابد أن يوضع في حجمه الحقيقي إذا ما قارناه بالأسباب التي دعت هؤلاء الشباب إلى فعل ذلك؛ فلقد قُتل ستة من أقرانهم على الحدود من دولة قذرة لم يروا منها أو من بلدهم ردة فعل تذكر اللهم إلا الكلام.

على أية حال انتهت جمعة تصحيح المسار وقد سبقها وأعقبها أمور تحتم على الإسلاميين حراسة الثورة، فحراسة هذه الثورة فرض كفائي بل تكاد تكون عينًا على الإسلاميين؛ فإذا كانت غاية الغايات في الحكم الإسلامي إقامة العدل المتحقق من خلال تطبيق شرع الله والسعي له، فإن كل هذه الأمور لن تنفذّ وتتحقق وتحدث بالسياسة الباردة التي ينتهجها قطاع عريض من الإسلاميين، أو من خلال البيانات والكلمات الرنانة والممتازة والتي لا نرى من خلفها عملا أو تحركا أو نتيجة، ولولا نزول الثوار لما سمعنا عن تحديد موعد إجراء الانتخابات البرلمانية التي بُحّ صوتنا من أجلها مراراً، وقد رأينا أن التفاعل الجماهيري والشعبي هو أنجع وأفضل الطرق لتحقيق متطلبات الثورة.

إن التاريخ والمستقبل، وأبناءنا وبناتنا وأحفادنا بل وجيراننا في العالم العربي والإسلامي لن يغفروا للإسلاميين سكوتهم وانبطاحهم في وقت وجب فيه التحرك والحراسة والمرابطة لأجل تحقيق لحظة كنا نحسبها من المعجزات، إن رب الأرباب الذي يملك مقاليد السموات والأرض قد هيأ لنا روحًا جديدة أعانتنا على التحرك لإزالة الظلم والظالمين، والآن لحظة المفارقة فيها يفرق كل أمر عظيم.. أمر يستطيع الإسلاميون أن يكونوا هم أبطاله ونحسبهم كذلك، أو مضيعوه إن سكتوا وتهاونوا وتناسوا تاريخهم القريب، ومع كل هذا لابد أن نتفاءل ونشيع روح التفاؤل فلقد علمتنا هذه الثورة أنها صناعة إلهية من الأساس.. فاللهم إنا نعوذ بك من مكر الماكرين.

نشر في شبكة رصد الإخبارية و مفكرة الإسلام وشبكة المخلّص الإسلامية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق