الأربعاء، 9 نوفمبر 2011

ماذا يعني 18 نوفمبر؟!

يوم 18 نوفمبر قد يكون من الأيام العادية وقد يكون يومًا رابعًا سعيدًا لهذا البلد، ويكون له ما بعده، إن الأيام العادية في العام قد لا تعد ولا تحصى بل ينسى أحدنا ماذا فعل بالأمس وقبل الأمس، حتى لا تبقى في ذاكرة الأفراد إلا الأيام التي شهدت أحداثًا جسامًا فمنا من يسميها أيام الله، ومنا من يصفها بالعظمة والرفعة..

تأمل أيها القارئ تسعة أشهر ماضية ظل عقلك محتفظًا فيها بيوم من الأيام التي غيرت مجرى حياتنا غير 25 يناير، و 11 فبراير ثم من بعده 19 مارس ثم من بعده النوم والتوهان والزوغان في عالم من التفاصيل المرهقة والمغرقة لينسى الإنسان فيها هذه الأيام الثلاثة الجميلة!

في مقدور كل منا أن يصنع واقعه بإرادة حرة غير مجبر عليها، والعقل الواعي هو الذي يقيم ما مرّ بنا في تلك الأشهر التسعة الماضية، يقيّم 180 يومًا لم تعلق فيها الذاكرة إلا بثلاثة أيام فقط شعر الناس كلهم فيها بسعادة وبشرى ومستقبل قادم جميل، لكن 177 يومًا أخرى من اليأس والتيئيس والتقنيط والإحباط وتعمد إشعار الناس بفشل الثورة وضباب المستقبل ثم حالة الفساد التي قلنا إنها زالت بزوال الطغيان ترجع من جديد، لأسمع أن هناك من أمناء الشرطة العظماء من أطل برأسه من جديد في أكمنة الشرطة ليأخذ من السائقين "الأوبيج" و "الحسنة" أو "الإتاوة" فهو دلالة من الواقع اليومي على أن هناك من يريد أن تظل مصر بعد 25 يناير كما كانت قبل 25 يناير.

منذ أعوام ذهب محمود عباس في مدينة أنابوليس في الولايات المتحدة ليوقع على خارطة طريق وضعتها إدارة غير المأسوف عليه بوش، وكانت أجواء الاحتفال والهيصة والزيطة عظيمة كبيرة، ثم أردت أن أطالع رأي المحللين السياسيين الكبار عن هذه الاحتفالات المصطنعة فإذا بأحدهم يقول: إن ما قبل أنابوليس مثل ما بعدها!

ودلالة هذا الموقف السياسي الذي تم تحنيطه كسابقيه في قطار المفاوضات الفلسطيني أو بالأحرى التنازلات هو ذاته الذي أُريد ويُراد تحقيقه وتنفيذه في 177 يومًا ماضيًا في ثورتنا فضلاً عما هو قادم.. إنها لعبة مفاوضات تعيسة، وتنازلات سطحية كانت لابد أن تؤخذ أخذ عزيز منذ أشهر مضت، لكن شعبًا قد وصفه وول ديورانت في رائعته "قصة الحضارة" بقوله: "يبدو أن "المصريين" برغم هذه الأسباب (رغد الحياة والأمن) لم ينعموا بالحرية يوماً واحداً في تاريخهم كلهم على حد قول يوسفوس. ذلك أن ثروتهم كانت تغري بهم الطغاة أو الفاتحين واحداً في إثر واحد مدى خمسين قرناً من الزمان كانوا فيها يستسلمون لأولئك الطغاة والفاتحين". لخليق بالتأمل والاحترام.

لقد كان حديث ديورانت ذاك عن احتلال الرومان لمصر والأسباب الجوهرية التي أدت لهذا الاحتلال ... إن خمسين قرنا من تسليم مصر من طاغية لآخر قد جعل أهلها عبيدا غير قادرين على القيام بثورة ولو كانت سلمية، لكن حضارة الإسلام قد أخرجت هؤلاء وغيرهم من براثن العبودية الأمدية..

الإسلام لا يقبل أن تظل المجتمعات التي تدين به مستمتعة بالظلم، منكفئة له؛ لأن رب هذا الدين يقول: "إن الله يأمر بالعدل" ويكره الظلم والظالمين؛ لكن يبدو أن الدولة الحديثة التي اتخذت ذات الآليات الغربية القائمة على الميراث اليوناني والروماني القديم المجحف، قد نجحت في جعل الشعب المصري خانعًا قابلاً للذل حتى قامت ثورة مجيدة لم تقم منذ آلاف السنين؛ فكيف وقد رأينا النصر بأعيننا، وكسرنا أقوال الفلاسفة والمؤرخين بأصواتنا وحناجرنا أن نعيد إنتاج طواغيت جدد نستسلم لهم من جديد.. في إعادة لترميم أقوال يوسفس وغيره؟!

من هنا يتحول يوم 18 نوفمبر من مجرد كونه يومًا عاديًا إلى يوم يجدد الثوار/الشعب/ الوطن الجريح فيه ما أريد إخماده ونسيانه وانتقاضه واستلابه في الأشهر الماضية.

إن من يقاوم ثورة شعبية بمحاولة إجهاضها والقضاء عليها بخطة محكمة ومحبوكة رأيناها عيانًا بيانًا في الأشهر الماضية، ثم يحاول اختبار مقدار إفشاله لهذه الثورة ومتطلباتها عبر يحيى الجمل وعلي السلمي وحكومة مرتعشة لا تقوى على القول أو البناء لهو جدير بالاحترام على المستوى التكتيتكي والاستراتيجي، لكنه نسي أو تناسى أو لا يريد أن يصدق أن هذا الشعب الغلبان قد أسقط طاغوتًا كبيرًا في 432 ساعة فقط!

إن كل مصري عاقل حر ثائر رافض للظلم والظالمين، كاره لأي ديكتاتورية أو ديكتاتوري يتم تخليقه وتهيئته في مختبرات الظلام والظلم الآن عليه أن يطالب بكل وضوح وجرأة بحقه الأصيل في استعادة هذه البلاد التي سُلبت من أهلها منذ محمد علي باشا، إن مائتي عام من السخرة والعبودية والاحتلال والركوع والنفاق والذل والطغيان والسجن والقتل والإهلاك والنفي واليأس لا يمكن بأي حال أن يقبلها هذا الجيل الذي عرف واقعه وماضيه المؤلم جيدًا، ثم كسر كل نظريات الباطل والأوهام ليخرج مرفوع الرأٍس قوي البأس شديدًا في الحق، والآن نريد رد الحق لأهله.

صاحب الحق لا يمكن أن يكون جبانًا في مطالبته بحقه، ولا يجوز أن يلاعب الآخر بأسلوب سياسي قميئ ثبت فشله عبر عقود من القهر السياسي والإحباط النفسي، فضلاً عن التنازلات التي رأيناها – في ظل عملية الانتقال الشكلي – والتي جعلت تيارًا كبيرا ينضوي تحته ملايين من البشر هو التيار الإسلامي يفقد رصيده المادي والمعنوي عبر موافقته على وثيقة الفريق عنان وكأننا لم نقم بثورة.

أشعر أن الانتخابات البرلمانية القادمة مثل المخدرات والمهدئات المسطلات.. ما قيمتها إذا لم تستطع الأغلبية تكوين حكومة ائتلافية او اتحادية، ما قيمتها أمام استمرار حكم المجلس العسكري وعدم إعلانه عن تحديد موعد الانتخابات الرئاسية؟!

18 نوفمبر ذو هدف واضح لا لبس فيه، إنه مطالبة محددة من الشعب المصري وتياراته الوطنية بتحديد موعد انتقال السلطة من المجلس العسكري للشعب المصري، والتي يطلبون ألا تتعدى شهر إبريل القادم، أما أن ينزل آخرون في هذا اليوم لاستهجان وثيقة السلمي أو لأي سبب فرعي آخر فنرجو منهم أن يجلسوا في بيوتهم وينزلوا في يوم غير هذا.

في نهاية الأمر.. نذكر بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تُودّع منهم"، معنى تُودع منهم أي: تودّعهم الله وتركهم لاستواء وجودهم وعدمهم، وقد استُنبط من هذا الحديث أن ترك إنكار المنكر من أسباب خذلان الله للأمة.

نشر في شبكة رصد الإخبارية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق