الأحد، 27 نوفمبر 2011

لماذا يتم إبعادنا عما نريد؟!


إن ثمانية أيام من التظاهر والاعتصام تخللها استشهاد 39 شابًا في عمر الفتوة، قد أتت ببعض الثمرات الطيبة التي لم تستطع الأحزاب السياسية أن تأتي بها في 9 أشهر كاملة؛ لقد أُجبر العسكر على تعيين ميقات انتخاب رئيس الجمهورية (شفاهة)، ثم أزاحوا حكومة شرف ليأتوا لنا بالدكتور الجنزوري الذي بات محل جدل ولغط، كل هذا والانتخابات غدًا الثلاثاء!
أي بلد عجيبة هذه؟ أي بلد تتم فيها هذه الأحداث الجسام من اعتصام وتظاهر وثورة تتزامن معها انتخابات ومشوارت لتشكيل حكومة؟ ثم يزداد المشهد تعقيدًا ليرفض بعضٌ ممن في الميدان الجنزوري ليتم إدخال البرادعي في هذه المعادلة المعقدة؛ بزعمهم أن الميدان متوحد عليه ليترأس حكومة الإنقاذ الوطني، ليُختم هذا المشهد بمقابلة المجلس العسكري لعمرو موسى (الذي لم يذهب للميدان طوال هذا الأسبوع) والبرادعي الذي ذهب لدقائق إلى مليونية حق الشهيد ليخرج منها على عجل، وجموع من الشعب تنظر لهذه الأحداث في توتر وحيرة، ومنهم من لا يهمه الأمر أصلا!
هذا المشهد المركب أشبهه بفيلم خيالي دخل البطل في أوله متحديًا خصومه في اعتقاد منا أن يخرج منتصرًا ظافرًا في نهاية المشهد لنفاجأ به عجلاتي في حارة هامشية في الدرب الأحمر؛ بل في أثناء كتابتي لهذا المقال فوجئت بشباب تويتر يتناقلون كلام اللواء ممدوح شاهين على إحدى القنوات الفضائية، وقد لفت انتباهي كلامه عن أن مجلس الشعب القادم لا يحق له دستوريا وقانونيًا سحب الثقة من الحكومة أو انتخاب أخرى جديدة؛ ليعقد الرجل عليَّ مشاهد هذا الفيلم الخيالي، ويزيد مشهد العجلاتي السابق تأزمًا ليحوله إلى بائع طماطم في سوق العبور!
هذه هي مصر الآن: الشعب يريد مطلبًا محددًا فيفاجأ هذا الشعب بمطالب أخرى تتحقق أو لا تتحقق؛ الشعب يريد رجوع العسكر لثكناته في أسرع وقت هكذا بوضوح ودون لف ولا دوران فنفاجأ بالكلام عن حكومة الجنزوري الذي يرشح مجدي الجلاد أو عادل حمودة لمنصب وزير الإعلام (!!!) الشعب يريد انتخابات نزيهة لا عبث فيها فنفاجأ أنها ستتم على يومين وأن الصناديق ستبيت في أحضان الأمن والشمع الأحمر والمناديب المرهقين، الشعب يريد تطهير وزارة الداخلية فنفاجأ بحبس الضابط محمود الشناوي فاقئ العيون مخافة أن تطاله يد الثوار وترشيح رجال حبيب العادلي خلفًا للعيسوي؛ الشعب يريد حكومة إنقاذ حقيقية فنفاجأ بالكلام عن بقاء منير فخري عبد النور وفايزة أبو النجا وحسن يونس، الشعب يريد دماءً جديدة، وشبابًا قائدًا؛ فنفاجأ بتجديد تعيين السيد فاروق العقدة محافظ البنك المركزي ونوابه واللجنة المعاونة له لمدة أربع سنوات أخرى؛ علمًا بأن المجلس العسكري من المفترض أن يرجع لثكناته في يوليو القادم على أقصى تقدير فكيف يجددون له هذه المدة الطويلة وهم من المفترض أسبق منه في الرحيل والعودة لمهمتهم الأولى!
ثمة أمر نبه عليه سيادة اللواء مختار الملا حينما قال إن الشعب ليس كله في التحرير لكننا نحترم من في الميدان؛ ثم تم تأكيد الشق الأول عمليًا في مظاهرات العباسية الخيالية التي أوصلها بعض الظرفاء إلى 700 ألف متظاهر؛ وحينما أُخبر عبد الرحمن يوسف الكاتب المحترم ومراسل قناة cbc بهذا وهو في التحرير قال إذن من في ميدان التحرير 37 مليون ليلتقط بذكائه حبل الرمال الذي صنعه بعض الخياليين الذين يُراد الاستفسار عن قدراتهم العقلية في الاختبارات النفسية وكشف الهيئة في الكليات العسكرية المحترمة وأطباء علم النفس المفلقين، وقد نفاجأ بمليونيات جديدة في روكسي ومصطفى محمود تحمل ملايينا من البشر!
ما نبه عليه سيادة اللواء الملا صحيح؛ وما أكده اللواء شاهين مساء الأحد في برنامج تلفزيوني من أن الشعب خلف المجلس العسكري قد يكون صحيحًا؛ لكن الأصح منه وما يتأكد منه المصريون كل يوم أن الأم الثكلى غير المستأجرة، وأن المعتصمين في التحرير وبقية متظاهري المحافظات والمصابين والمفقوءة أعينهم ثم مصابي الثورة ثم الملتحفين الصقيع بأجسادهم في شتاء هذه الأيام القارص هم الحقيقة الأكيدة في هذا السراب الذي يُراد استمراره!
 ثمة معيار وضعه مصري ذكي للتفريق بين المتظاهر الأصلي والمزور يتمثل في قنبلة غاز مسيلة للدموع كنا نتمنى أن نراها في العباسية لنعرف حقيقة هؤلاء المصفوفين خلف المجلس العسكري؛ وقد ألقيت مئات منها على رجال التحرير ونسائه فمات منهم من مات لكنهم ظلوا ثابتين متقدمين في شارع محمد محمود فضلا عن الميدان حتى يئسوا منهم وأتوا إليهم بحل بسيط كان يمكن أن ينفذ منذ الهجمة البربرية التي رأينا فيها القتلى يجرجرون إلى المزابل وهم أطهر وأشرف الناس في هذا البلد!
الإشكالية الحقيقية أن الثورة لم تنجح؛ وقد توقفت بالفعل فأراد الناس بتظاهرهم يوم 18 نوفمبر واعتصامهم حتى هذه اللحظة أن يحركوا هذه الثورة التي قتل وجرح وسجن بسببها آلاف من البشر؛ فأريد مرة أخرى أن تتوقف هذه الهبة الجديدة، بإثارة القضايا الهامشية والجانبية والفرعية والثانوية؛ وأُريد مرة أخرى أن يذهب المتظاهرون كل مذهب، وينفرط عقد من في الميدان باختلافات واهية ووهمية عن من الأحق بالوزارة البرادعي أم الجنزوري؟!!
إن الأمر الذي لا مناص منه أن الثورة المصرية ليست منبتة عن الواقع المحيط بها من الثورات الأخرى وهذا من جملة أسباب قوتها فضلاً عن العامل الذاتي المتمثل في يقظة شبابها ووطنييها؛ فنجاح ثورة تونس ونجاح انتخاباتها التي أجريت في يوم واحد وشارك فيها التونسيون في الخارج وتم إعلان النتيجة لاحقا؛ قد آتت بإرادة الشعب حقًا؛ لنرى منصف المرزوقي المعارض البارز لبن علي في رئاسة الجمهورية التونسية وهو أول رئيس عربي له حساب على تويتر في إشارة لالتصاقه بالناس والشباب والجماهير، وعلى رأس الحكومة الإخوان المسلمون، تمت المرحلة الانتقالية بهذه السلاسة لأن العسكر هناك اتخذ موقفا محايدًا منذ يومها الأول وأشرف المدنيون على أنفسهم إشرافًا حقيقيًا أرادوا به الخروج من أزمتهم؛ لكن في اليوم الذي بدأ فيه السيد الجنزوري مشاورته لإنشاء حكومته التي ينقذنا بها من هذه الأزمة، والصلاحيات التي يتحدث عنها رأيناه قائلاً سيكون لنا دستورنا قبل 30 يونيو القادم؛ فمن ذا الذي قال له إننا نريد كتابة الدستور في ظل المجلس العسكري، ومن ذا الذي قال له إننا نريد كتابة الدستور قبل الانتخابات الرئاسية، ثم لماذا قبل وجود رئيس مدني منتخب؟!!
بعيدا عن كل هذا التوصيف للأزمة التي نحن فيها؛ ما أراه للخروج من هذه الأزمة حقًا يتمثل فيما يلي:
1-      وجود حكومة إنقاذ وطني حقيقية تتكون من الأحزاب والشباب، وعلى رأسها رجل توافقي بالفعل وليس مفروضا على الناس لا من قبل المجلس العسكري  ولا من قبل فئة سياسة معينة.
2-      إجراء الانتخابات الرئاسية في موعد أقصاه 30 إبريل ليتسنى كتابة الدستور في ظل رئيس مدني منتخب وليس العسكر، وكلما كان انتخاب رئيس الجمهورية في موعد قريب كلما كان حلا جذريًا للأزمة السياسة التي نحن فيها؛ وإن المطالبين من بعض الكتاب والإعلاميين والشخصيات العامة التي تقول بفتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة عقب الانتهاء من مجلس الشعب وإلغاء مجلس الشورى رأي معتبر وقد يكون مفيدًا في هذه اللحظة السياسية المعقدة.
3-      نسيان الكلام عن أي وثائق دستورية/ فوق دستورية تحجر على إرادة الأمة والناس سواء قبل الانتخابات أو بعدها؛ لأنها فتنة حقيقية يشعلها كل من يفح هذا الباب آجلا أم عاجلاً، ويترك أمر إنشاء لجنة كتابة الدستور للبرلمان وفقا للمتفق عليه في الإعلان الدستوري الذي يعتبره المشير خارطة طريق متفق عليها طبقا لخطابه الأخير.
4-      تطهير وزارة الداخلية والإعلام بلجان قضائية مستقلة ذات ثقل في الشارع؛ فمجرد تغيير رأس هذه الوزارات وفقط عبث لا طائل من ورائه.
5-              تجاهل الكلام عن مجلس رئاسي مدني فهذه فتنة عظيمة ستأخذنا لجدل يضيع الوقت ولا طائل من ورائه كذلك.
6-      ضرورة تعامل المجلس العسكري مع الفصائل السياسية ومرشحي الرئاسة على مسافة واحدة؛ فلا نرى تقريبه للبرادعي وعمرو موسى ثم تجاهله في اللحظة ذاتها لأبو إسماعيل وأبو الفتوح وصباحي وغيرهم.
7-      على المجلس العسكري أن يسمح لمجلس الشعب القادم بإنشاء حكومة منتخبة لها الحق في قيادة ما تبقى من المرحلة الانتقالية حتى انتخاب رئيس للجمهورية؛ ولا يسمح بما يردده بعض أعضائه من أن ذلك غير دستوري ولا قانوني؛ لأنه باب فتنة جديد لا يرضى به الناس والأحزاب على السواء.
إن الذهاب للتصويت في انتخابات الغد فرض شرعي ووطني على كل شريف في هذا الوطن، وهو الخطوة الأولى للانتقال الحقيقي من هذه المرحلة العاثرة إلى أخرى يصبح الشعب فيها سيد قراره؛ وطالما أن الانتخابات أصبحت على مدار يومين في كل مرحلة فعلى الشعب أن يحمي أصواته من عبث العابثين والمزورين؛ بإنشاء لجان شعبية ومتطوعين ومدنيين مهمتهم حماية اللجان الانتخابية والصناديق على مدار الساعة، وفي النهاية نسأل الله أن يحفظ مصر وشعبها من مكر الماكرين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق