لا يمكن أن يجحد دور
الإخوان المسلمين في تاريخ مصر الحديث إلا جاحد؛ فمنذ بدأ مشروعهم العظيم على يد
"الشاب" حسن البنا ابن الثانية والعشرين عامًا في سنة 1928م، وعقب وفاة
سعد زغلول بعام واحد فقط وحزب الوفد في قمة أوجه السياسي والشعبي، وبعد أربع سنوات
فقط من سقوط الخلافة العثمانية ذلك الكيان الذي انضوت المجتمعات الإسلامية تحت
لوائه مدة خمسة قرون متوالية، وهذا الحلم الجميل ينمو ويزدهر ويقاوم البلاء والضر
وهو يوشك أن يُتم عامه الرابع والثمانين في هذه الشهور القليلة القادمة، وهو مشروع
عاصر ملكين وأربعة رؤساء وثورتين كان العسكر مقدمًا فيها بشدة!
إنه يمكن أن نقول
بمنتهى الشجاعة إن مشروع الإخوان المسلمين قد انطلق من رؤى نهضوية عايشها وآمن بها
الإمام حسن البنا؛ فلقد عاصر والتقى الإمام رشيد رضا تلميذ محمد عبده ومحب الدين الخطيب
والرافعي وغيرهم ممن حملوا لواء نهضة الأمة حينئذ، ووقفوا بكل ما أوتوا من قوة
بغية عدم تفسخ الخلافة العثمانية التي كانت تسير نحو الهاوية في سرعة مذهلة، عايش
رحمه الله كل هذا، وعرف أن مشروع النهضة الثقافي والفكري لابد أن ينتقل من بطون
المؤلفات وأفئدة العلماء وخواطر رجال الحضارة إلى أرض الواقع من خلال ترجمة أقل ما
تُوصف به بعد ذلك بالعبقرية من هذا الشاب الفذّ الذي قام مثله من شباب اليوم بثورة
باهرة، فليت رجال اليوم يفهمون ويعون قدرة هذا الشباب على العطاء وعبقرية التنفيذ
وجدارة الاستحقاق الذي يوشك أن تجنيه الأمة وليست مصر وحدها بإذن الله وبفضل هؤلاء
الشباب!
غير أنه سرعان ما
تنبهت السلطة الخائنة المتمثلة في فاروق ومعاونة أسياده من المحتل الغاصب لهذه
الجماعة فقتلت الإمام البنا واعتقلوا أنصاره في العام 1949م وهو كهل في الثالثة
والأربعين من عمره، وهي سن يمكن أن يصفها المشاهد للمتصدرين من رجالات اليوم من
الإسلاميين بالشباب والفتوة مقارنة بهم، ثم خرج الإخوان من السجون بنفس الحماسة
والعزم على طرد المحتل فقادوا لواء المقاومة الشعبية في القنال والجامعات والمجتمع
ثم ساعدوا على انقلاب العسكر ضد الملكية، هذا العسكر الذي تمت معاونته برجال
المخابرات الأمريكية فقد أرادوا بديلا للملكية غير تابع للسياسية البريطانية
القديمة ومؤمنا بهم فجاءوا بسفير جديد وطاقم جديد يُشرف على المرحلة الجديدة،
ويتأكد من ضمانة ألا تخرج خطتهم عن السيطرة وقد تم لهم ما خططوا له، ونخشى في ظل
سفيرتهم الجديدة وطاقمها الجديد أن تفلح مخططاتهم من جديد في السيطرة على الثورة!!
على أن التأمل في
العلاقة الجدلية بين مشروع الإخوان المسلمين والقائمين به بعد الإمام حسن البنا
وبين السلطة الحاكمة لابد وأن يأخذ أبصارنا تجاه العداء الذي جوبهت به هذه الجماعة
حتى قتل وسجن وأُقصي منهم ما لا يعلم عددهم إلا الله، ثم لما أُخرجوا من السجون
بعد وفاة عبد الناصر وقام بنهضتها الثانية من نسميهم الآن بجيل الوسط من الشباب
حينها كأمثال عبد المنعم أبو الفتوح وخيرت الشاطر والزعفراني وغيرهم وتحت قيادة جيدة
من المرشد التلمساني وقد فتحت أمامهم السلطة الباب قليلاً ليُحدثوا توازنًا في الساحة
السياسية حينها واستطاعوا فعلا، سُرعان ما أغلقت هذه السلطة ذاتها أمامهم الباب
ثانية وتم التضييق عليهم وسجنهم وملاحقتهم حتى قامت الثورة الثانية في يناير
الماضي.
إن التأمل في العلاقة
بين السلطة/الحاكم وبين الإخوان المسلمين على مدار هذه العقود الثمانية الماضية
ليؤكد لنا حقيقة جلية، ونتيجة لا يحتاج الناظر في هذا التاريخ أن يصل إليها
بصعوبة، وهي أن الإخوان كانوا تحت سيطرة هذا الحاكم فإذا ما شاء أن يسجنهم سجنهم،
وإذا ما شاء أن يأخذ أموالهم أخذها، وإذا ما شاء أن يفتح أمامهم الباب للعمل
السياسي فتح، والعكس صحيح، وهذه الأفعال كلها كانت لحسابات سياسية حتى باتت جلية
في عصر المخلوع مبارك وخاصة في انتخابات 2005م حيث سمح لهم بخمس البرلمان، ثم في
2010م أغلق الباب أمامهم نهائيا لحسابات كانت متعلقة بالتوريث أو غيرها.
الرؤساء الأربعة الذين
تولوا حكم مصر منذ عام 1952م، منذ انقلابهم على الملك، ثم انقلابهم على الإخوان
بعد ذلك هم في حقيقة الأمر مجموعة من القادة العسكريين الذين أُشربوا العسكرية
وثقافتها وأوامرها وإطارها الفكري الذي يفهمه كل المصريين تقريباً، والحق يُقال إن
المصريين يُحكمون بالسلطة العسكرية منذ قرون خلت، لكن كان المجتمع مستقلاً بذمته
المالية بل والعسكرية في بعض الأوقات فضلا عن العلمية والخدمية وغيرها حتى جاء
محمد علي فقضى على دور المجتمع وجعله تابعًا لفرمانات الوالي وهكذا اعتادت مصر على
هذا الأمر في عصره وعصر أولاده ثم في عصر هؤلاء الرؤساء الأربعة، والإخوان
المسلمون في هذا التاريخ كله كانوا جماعة لها مشروعها وحلمها الذي سرعان ما كان
يتحطم على صخرة السلطة العسكرية الصلبة، وليتهم يفهمون هذه الفلسفة الآن وبعد
الثورة تحديدًا!
قامت الثورة فكانت
كالماء ينزل إلى الصحراء القاحلة؛ فلقد أحيت الآمال لكل ذوي الآمال والطموحات
والمشاريع والأمنيات، وكان الإخوان من جملة هؤلاء، وقد نجحت لأن الكل أصر على أن
تنجح، لكن هذه الثورة في هذه اللحظة التاريخية التي لا يعطيها حق قدرها إلا ذوو
البصيرة، ومعرفة التاريخ وفلسفته تقف أمامها تحديات صلبة، وأسئلة صعبة، ويقف مشروع
الإخوان المسلمين أمام هذه التحديات بل في صدارتها باعتباره صاحب الشعبية الكبيرة،
والأغلبية في البرلمان..
من جملة هذه الأسئلة
هل سيسلم العسكر حكم بلد يحكموه وتحكمه طائفتهم منذ 200 عام إلى المدنيين بهذه
السهولة؟ وما هي الوسائل المناسبة لرد السلطة إلى أهلها الحقيقيين من الشعب
المصري؟ ولم يرفض الإخوان المسلمون تسليم السلطة لرئيس مجلس الشعب بحجة المخالفة
للإعلان الدستوري؟ – وكلامهم هو الذي يخالف الإعلان الدستوري – وكانوا قد أنزلوا
بيانا على موقعهم الرسمي في 5 أكتوبر الماضي بعد لقاء الأحزاب بالفريق عنان وردود
الفعل الغاضبة التي لمسها الإخوان جليا بسبب وثيقة الأحزاب المخزية تلك، وقد جاء
فيه ما يلي: "هذا ما يرفضه الإخوان المسلمون جملة وتفصيلاً، ويصرون على
الانتهاء من الانتخابات في أقرب وقت، وإجراء انتخابات الرئاسة فور تشكيل البرلمان
دون الانتظار لإتمام الدستور، فهذا هو أخف الضررين؛ لأن الشعب لن يقبل بهذا
التسويف". فلقد كان هذا موقف الجماعة الرسمي قبل شهرين فقط من بيان
(الأحزاب – عنان) ذلك، وهو ما تراجعوا عنه هذه الأيام بحجة الالتزام بالإعلان
الدستوري الذي ظل قانون الطوارئ ساريًا حتى الآن بمخالفة صريحة له، فهو إعلان
ينفّذ بعضه ولا يُنفذ البعض الآخر، فلا نعلم سرّ هذا التغير؟!
قال الدكتور غزلان
بالأمس إنهم يرفضون ذلك لأنهم أخذوا عهدا على أنفسهم بعدم ترشح الإخوان لرئاسة
الجمهورية فرئيس مجلس الشعب قد يأتي منهم، ولا يمكن أن يخالفوا ما قطعوه على
أنفسهم. والسؤال الأهم أليس من مصلحة الوطن كل الوطن الآن أن يتولى سلطة البلاد
رئيس مجلس الشعب ولو من الإخوان إلى حين، لمدة شهرين فقط للإعداد لانتخابات
رئاسية؟! أولو جاء رئيس مدني منتخب ومات في أثناء ولايته هل يرفض رئيس مجلس الشعب
"الإخواني" هذا المنصب الاستثنائي وقتها لحين الإعداد لانتخابات رئاسية
جديدة لأنه قطع على نفسه وعلى جماعته عهدا بعدم تولي هذا المنصب؟! أليس هذا تقديم
للطائفة والجماعة على المصلحة الوطنية الكبرى، ثم هو هروب من المسئولية عند أول
تحد؟! لا يمكن لأي عاقل أن يقبل هذا التسويغ العجيب بل الغريب جدا!!
إن الكل يفهم أن الشعب
مصدر السلطات، وأن الثورة تريد أن تنهي أول تحدياتها بوجود رئيس مدني أو قائم مدني
بأعماله كرئيس مجلس الشعب الذي لن يختلف عليه أحد بحجة التوافق من عدمه، وتلك تونس
ليست منا ببعيد؛ وقد أصبح لهم حكومة تمثل الناس، وبرلمانا يمثل الناس، ورئيسا يمثل
الناس والثورة حقا في أقل من عام على ثورتهم، فلم لا نتعلم من ذلك الدرس الكبير
الذي يؤكد لنا أن سلطة عسكرية حاكمة للبلاد والعباد منذ 200 عام لن تسلم بهذه
السهولة اللهم إلا بضمانات، من الأفضل ألا تُرفض ولا تتعارض في نفس الوقت مع
استقلالية الدولة الجديدة وهيمنتها على جميع مؤسساتها بغية نجاح الثورة فأعظم
الضررين مقدم دفعه على الأصغر، وهذا أهون ألف مرة من تصادم بين الشعب والجيش لا
قدر الله.
هذا الموقف الذي يبتعد
عن رأي الشارع الذي يتعطش للإسراع من هذه المرحلة الانتقالية الرهيبة، هو ذاته
الذي لمسناه في عدم مشاركتهم ولو بصورة رمزية في جمعة الحرائر كانت ستؤكد من
جانبهم أنهم مع نبض الشارع ومعاناته بصورة سلمية حضارية لا خوف فيها على
الانتخابات أو غيرها، فهذه المواقف التي بدأت بتوقيع وثيقة عنان، مرورا برفضهم
النزول ولو الرمزي في جمعة الحرائر وانتهت برفض تسليم السلطة لرئيس مجلس الشعب حتى
تجرى انتخابات رئاسية نزيهة ومبكرة لمن الأمور المبهمة العجيبة المتعارضة مع
بياناتهم الرسمية تلك، بل من السياسة التي تخصم من رصيدهم السياسي ولا تضيف إليه
للأسف الشديد.
إن النصيحة تحتم علينا
أن نطلب منهم لاعتبارات عدة أولها ثقة الناس فيهم، وتاريخهم الذي لطالما تصادم
وتحكمت فيه السلطة، والذي أيضا لطالما ازدهر ونمى وكبر وترعرع في ظل المجتمع
الشعبي المدني أن يعملوا على الإسراع في رجوع العسكر لمكانه الطبيعي والخليق به في
حماية الثغور والحدود وحفظ الأمن الخارجي، وهذا الإسراع لا يجب أن تعيقه قوانين أو
إعلانات دستورية لا تعارض أصلا التسريع في انتخابات رئاسة الجمهورية، ولا يجب أن
نعيق أنفسنا بأنفسنا، وكفانا فخاخا وصدامات ودسائس لن تهدأ إلا بوجود رئيس لهذا
البلد في أسرع وقت ممكن.
وفي نهاية الأمر نقول:
إن من تأتيه الفرصة مرارا ثم لا يستفيد بها ويعمل على تضييعها من حيث يحسب أنه
يُحسن صنعًا فلا يلومن نفسه إذا انقلبت المنحة إلى محنة، وضاقت عليه الأرض مرة
ثانية بما رحبت من قبل، ونسأل الله لنا ولهم ولكل المصريين الخير والهدوء والسكينة
والأمن والخلاص من هذه المرحلة الشديدة والخطيرة.
مصلحة الجماعة اصلا ان رئيس الجمهورية يبقى رئيس كجلس الشعب
ردحذفمصلحة البلد ان ميبقاش واحد اخوانى رئيس الجمهورية فى الظروف دى...مش فاهم فين مصلحة الاخوان فى انهم ميراسوش الجمهورية