كنت في بادئ الأمر لا
أرى في شيخنا حازم أبو إسماعيل سوى "شيخًا" لا يصلح لهذا الأمر الذي
أقدم عليه، وكنت معذورًا في هذا، لأن معرفتي به لم تكن تتعدى المعرفة الثقافية
العامة، والاستماع لبعض من دروسه العلمية المتميزة هنا وهناك.
على أنه سرعان ما بدأت
أسمع للرجل عن قرب، وأتابعه بشغف، وأحرص على هذا؛ ورأيت أنه يختلف عن الآخرين، فهو
– من وجهة نظري - صريح عنهم، ولا يسعى للتوافقية على حساب المبادئ والأفكار
والقضية الرئيسة التي ينطلق منها، وهي قضية الإسلام وتطبيقه، ثم لآرائه السياسية
الصريحة المنطلقة من الإسلام وحده، والساعية لإحقاق الإسلام وحده.
لقد لفت نظري قضية أصبحت مترسخة ومسلّم بها عند
كثير من أتباع وأنصار التيار الإسلامي وقياداته، وهي وجوب وجود الرئيس التوافقي
وإن كان علمانيًا أو ليبراليًا أو بالتوافق مع العسكر حتى!!
ولم أكن أفهم أي
توافقية يتحدثون عنها والشعب المصري قد اختارهم وجعل الإسلاميين أكثر من ثلثي
البرلمان في دلالة قاطعة على رضائه بالإسلام الذي ينطلقون منه، ويتحدثون باسمه،
وكأن هذا الشعب جاهل أو غير فاهم للسياسة الحكيمة التي ينطلق منها بعض من قيادات
التيار الإسلامي، وهي أن الغرب لن يتركونا في حالنا إذا جاء رئيس إسلامي، ولم يسأل
هؤلاء أنفسهم: ومتى تركنا هذا الغرب أو الشرق في حالنا؟ ومتى سنزيل هذه الرهبة من
الصدور والعقول والأفكار؟!
وللأسف فإن الطامة
الكبرى التي ابتُلينا بها أن كثيرًا من أبناء التيار الإسلامي – إلا من رحم ربي –
يرى في قياداته مجموعة من الأشخاص المنزهين عن الخطأ والخطل والرؤية الواقعية
والسياسية التي قد تكون فاسدة في جوهرها وإن جُمّلت بالكلام المعسول، وتم قبولها
لتاريخ من الثقة طويل يجمع بين الأتباع وقياداتهم أو أشياخهم.
فإن أنت أردت أن
تستقصي آراء الرافضين لحازم رأيت العجب؛ فبعضهم يرى أن حازم أبو إسماعيل شجاع بيد
أنه لا يصلح لرئاسة البلد لشجاعته! وبعضهم يراه ممن لا تتفق عليه العامة، وبعضهم
يراه قليل الخبرة السياسية، وبعضهم لا يعرفه أصلاً ، وبعضهم يرى أن قيادته الحركية
ترفضه فهو يرفضه أيضًا، وبعضهم يريده لكن رؤساءه يرفضوه فهو يرفضه لذلك ....
فإن أنت تناقشت مع
هؤلاء وفندت هذه الرؤى الواهية، لا تلبث أن تصاب بالمرارة من تشبثهم بآرائهم لأن
القيادة الحركية لا تزال ترفضه، وهذا ما يصيب الإنسان بالحسرة!
إن القرآن الكريم بدأ
أول ما بدأ بخطاب عقلي يرتقي بالعقول التي تربت وسط تقاليد جاهلية حالت بينهم وبين
الإيمان الصافي بالله عز وجل، فآمنت بفكرة واهية في أساسها تتمثل في أن عبادتهم
للأصنام ما هي إلا زُلفى يتقربون بها إلى الله ونسوا أن الذي خلق الإبل وأنفسهم والشمس والقمر
والجبال والدواب والشجر وكل ما يحيط ببيئتهم لا يرضى أن يشاركه في العبودية له
أحدًا ولو كان رجلا أو حجرًا، ولا يرضى لعباده إلا أن يكونوا له وحده، فأنزل عليهم
القرآن تبيانًا لكل شيء ليعرفوه حق المعرفة من خلاله، والشاهد من هذا أن المنهج
القرآني الذي جاء بتخليص هذه العقول من نير التقليد المخلّ، هو ذاته الذي بأيدينا
اليوم بعد أربعة عشر قرنًا ونيف يأمرنا بالحكم على كل شيء من منظار العدل والإنصاف
والمعرفة الحقيقية غير الشائهة.
والخلاصة أن الدرس
الأول من هذه السلسلة يتمثل في: اسمعوا من حازم ولا تسمعوا عنه!
مع احترامي ، لازلت أرى أن "حازم" أو "أبو الفتوح" أو أي مرشح إسلامي لا يصلح للرئاسة..
ردحذفوأن مفهوم "الحاكم" الذي نقتل أنفسنا عليه ويتم اشتغال الناس به على المنابر دليل على الغيبوبة الفكرية البشعة التي نعيشها ، استوعبنا بصعوبة فكرة تغير فكرة ولي الدم إلى ولي الأمر في آيات الدية في سورة الإسراء ، ولم نستوعب فكرة تغير فكرة الحاكم من خليفة إلى رئيس جمهورية إلى رئيس وزراء ومن فرد إلى مؤسسة حاكمة يختارها الشعب لا "يبايعها"..
وأن الحالة الثورية الحالية لم تخل من بداية الثورة من حالة "المصلحية" التي غلفت السلوك المصري كله منذ سنوات الحراك النحسات ، 6 أبريل تتعامل مع دماء الشهداء والعدالة الاجتماعية كقميص عثمان تستتر وراءه لفرض واقع سياسي جديد ونظام بآليات غامضة وما يبين منها لا يبشر بأي شيء له علاقة بالعدل ، ويسلمنا إلى ليبرالية متوحشة ورأس مال فاسد غسل في الثورة سمعته ، أنصار "أبو إسماعيل" نزلوا إلى الشارع لا حباً في الثورة ولكن لأن "حازم" يرى بنزوله وتملقه للحالة الثورية أنه سيكون الرئيس القادم ، ونفس الشيء مع أتباع "أبو الفتوح" الذين لم ينزلوا إلا لخدمة مصالح مرشدهم الجديد ، أما عامة الناس الذين تم تهميشهم منذ يوم التنحي فلا يكترث لهم أحد ، ولا يجيب لهم مخلوق عن أي سؤال بدءاً بشكل الدستور الذي كان يفترض كتابته لو تم رفض استفتاء 19 مارس 2011 إلى شكل الدولة وشكل المجلس الرئاسي و,,و..و,,, كما لو كانوا يؤجرون غرفة في فندق وليسوا أصحاب دار..
وبالمناسبة ، ما أشرت إليه في الفقرة التالية :
(وللأسف فإن الطامة الكبرى التي ابتُلينا بها أن كثيرًا من أبناء التيار الإسلامي – إلا من رحم ربي – يرى في قياداته مجموعة من الأشخاص المنزهين عن الخطأ والخطل والرؤية الواقعية والسياسية التي قد تكون فاسدة في جوهرها وإن جُمّلت بالكلام المعسول، وتم قبولها لتاريخ من الثقة طويل يجمع بين الأتباع وقياداتهم أو أشياخهم.)
وهو ما يراه كثر في "أبو الفتوح" و "أبو إسماعيل" ، هم في نظرهم أشخاص بلا أخطاء ولا خطايا.. رغم أنه لم يسمع لهم أحد حساً على مدى الثلاثين سنة الماضية التي تم اختزالها في ثمانية عشر يوماً..
سئمت - عن نفسي - فكرة العيش في مصطلحات الماضي وأفكاره ، "الحاكم" ، "البيعة" ، المش عارف إيه ، تكرار تلك المصطلحات هو قمة التقليد وقمة الجمود..
والله أعلم..