الثلاثاء، 31 يناير 2012

حازم رئيسنا (2)

لن أكون أفضل مفصل وشارح لما قام به شيخنا حازم أبو إسماعيل منذ قيام الثورة وإلى الآن؛ فمنذ اليوم الأول بعد تنحي حسني مبارك والرجل يحذر من مخاطر العسكر على الثورة المصرية، وهو بهذا التحذير الذي استمر حتى يومنا هذا، والذي تخلله هبّات عظيمة كان الرجل رائدها والداعي لها بدءًا من يوم 28 أكتوبر و 18 نوفمبر وما تلاه من إذعان العسكر لمطالب الناس بتحديد موعد محدد للانتخابات الرئاسية، هو بهذا يُعد من أكثر الذين أراهم يستوعبون حوادث التاريخ بحق!
منذ ثلاثين عامًا كتب محمد نجيب أول رئيس لجمهورية مصر، وقبيل وفاته بأعوام قليلة يقول: "مشاعري معهم -أي الإخوان المسلمين- رغم أنهم تخلوا عني وعن الديمقراطية ورفضوا أن يقفوا في وجه عبد الناصر إبان أزمة مارس , بل وقفوا معه وساندوه, بعد أن اعتقدوا خطأ أنهم سيصبحون حزب الثورة, و أنهم سيضحكون على عبد الناصر ويطوونه تحتهم. فإذا بعبد الناصر يستغلهم في ضربي و في ضرب الديمقراطية وفي تحقيقي شعبية له, بعد حادث المنشية. إن الإخوان لم يدركوا حقيقة أولية هي إذا ما خرج الجيش من ثكاناته فإنه حتما سيطيح بكل القوى السياسية والمدنية, ليصبح هو القوة الوحيدة في البلد, و أنه لا يفرق في هذه الحالة بين وفدي وسعدي ولا بين إخواني وشيوعي, وأن كل قوة سياسية عليها أن تلعب دورها مع القيادة العسكرية ثم يقضى عليها، لكن لا الإخوان عرفوا هذا الدرس ولا غيرهم استوعبه ودفع الجميع الثمن!! .. ودفعته مصر أيضا .. دفعته من حريتها و كرامتها و دماء أبنائها .. فالسلطة العسكرية أو الديكتاتورية العسكرية لا تطيق تنظيما آخر, و لا كلمة واحدة, و لا نفسا و لا حركة, و لا تتسع الأرض إلا لها و لا أحد غيره". (من كتابه كنت رئيسًا لمصر).
واليوم يقف حازم أبو إسماعيل صادحًا بهذه الحقيقة التي أعلنها محمد نجيب منذ زمن، معلنًا أن السبيل الوحيد للقضاء على سيطرة الديكتاتورية العسكرية على هذا البلد يتمثل في تسليم رئاسة البلاد لرجل قوي لا يتحكم فيه البرلمان أو العسكر أو الغرب، ولا يكون بتعبير الدكتور محمد يسري سلامة بالأمس في مقاله بجريدة "الدستور" .. لا يكون "طرطورًا" لا شأن له، كل همه أن يُرضي الأطراف المتصارعة؛ فلا يستطيع تحقيق مبدأ السيادة لهذه الأمة، ولا يسعى لإصلاح الجهاز الإداري الفاسد بها، ولا يُطهر الوزارات السيادية التي ملأها كل طامع غير ناظر إلا لمصالحه الشخصية؛ ومن ثم سيفشل هذا "الطرطور" في مهمته، وتصبح الأمور ممهدة مرة أخرى لعودة العسكر إلى قيادة البلاد من جديد، وكأننا لم نقم بثورة.
إن مصر لا تتحمل صراعًا من جديد، والداعون لرئيس توافقي لا يفهمون أو يستوعبون الدرس الأعمق، وهو أن هذا الشعب الذي اختارهم ليُصبحوا أكثر من 70% في البرلمان هو ذاته الذي يريد رئيسًا إسلاميًا قويًا.
في صفحة كلنا خالد سعيد، وهي من أكثر الصفحات انتشارًا على الفيس بوك، أنزلت الصفحة استطلاعًا للرأي عن من سترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة وقد جاء حازم أبو إسماعيل حتى الآن في المركز الأول بنسبة بلغت 45% تقريبا وتلاه عبد المنعم أبو الفتوح بنسبة بلغت 33% ومجموع الاثنين 78% يؤكد بما لا يدع مجالاً للظن أن هؤلاء الآلاف من الشباب المنفتح المتعامل مع وسائل الاتصال الحديثة لا يهمه تلك السفسطات التي يريد فريقًا من الإسلاميين المنظمين أن يتبنوها بحجة التوافق؛ ونسوا أن رأي الأمة والناس والجماهير هو الأصل الذي يجب أن يتكئ عليه هؤلاء في اتخاذ قرارهم، وهذه العينة الحقيقية من صفحة كلنا خالد سعيد تضرب رأي كثير من القيادات والأشياخ عُرض الحائط ولا ترى حازم أبو إسماعيل إلا رجلاً أهلاً لهذه اللحظة الفارقة من عمر الوطن.
قرأت بالأمس أن أحد كبار شيوخ الدعوة السلفية يدعو حازم أبو إسماعيل للتنحي من سباق الرئاسة بحجة أن الجو الديمقراطي ملبد بغير الإسلاميين وغير أهل للشيخ حازم؛ فهو – من وجهة نظر هذا الشيخ – أنزه وأفضل من أن يقع في هذا المستنقع الذي يربأ به أن ينزلق فيه!
والحق أنني أُصبت بصدمة عميقة لهذا الكلام المنبت عن الواقع، أفلم يسأل هذا الشيخ الموقر نفسه: ومتى ستحين اللحظة المناسبة لترشيح إسلامي في سباق الرئاسة؟ وكيف سيتم هذا إذا نأى أهل الحق ودعاته والمؤمنون به بأنفسهم عن التغيير؟ أفلا يُسمى هذا تواكلاً يضرب آية التغيير في مقتل: (إن الله لا يُغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)؟ وهل طبيعة الإصلاح وفلسفته في هذه الحياة الدنيا تقوم في الأساس إلا على الصراع بين الحق والباطل؛ فكما للباطل رجاله وأعوانه ومريدوه فلابد للحق من رجال يُعرفون به ويُعرف بهم، ويُدافعون عنه بكل ما أوتوا ووجب على العلماء وأهل المشروع الإسلامي أن يُساندوه ويؤيدوه ويُعينوه؟!
وإن خير ما أختم به هذه المقالة السريعة عن شيخنا وحبيبنا حازم أبو إسماعيل هذا الاقتباس الذي ينبض بالأمل والذي كتبه اللغوي البارع، والأديب الأريب شيخنا "أبو فهر محمود شاكر" رحمه الله حيث كان يسأل نفسه لمن يكتب مقالاته وكتبه، وما هي أمنياته في هذه الحياة، فهو يقول: "فأنا أكتب لرجل أو رجال سوف يخرجون من غمار هذا الخلق، قد امتلأت قلوبهم بالقوة التي تنفجر من قلوبهم كالسيل الجارف، تطوح بما لا خير فيه، وتروى أرضاً صالحة تنبت نباتًا طيبًا. ومهما كان من أمر تلك الطوائف التي ذكرتها، ومهما كان رأيها في هذه الشعوب التي تنتمي إليها، ومهما عدت شعوبها سائمة ترعى أيامًا معدودة حتى تتخطفها أرماح الأجل، فمن هذه (السائمة) سوف ينفرد رجل يقود الشعوب بحقها؛ لأنه منها: يشعر بما كانت تشعر به، ويألم لما كانت تألم له، وينبض قلبه بالأماني التي كانت تنبض في قلوبها. وهو وحده الذي يعرف كيف يرفع عن عيونها حجاب الجهل، ويطرح عن كواهلها قواصم الفقر، ويملأ قلوبها بما امتلأ به قلبه من حب هذه الأرض التي تعيش فيها مضطهدة ذليلة خائفة. إنه الرجل الذي قد خُلطت طينته التي خلق منها بالحرية، فأبت كل ذرة في بدنه أن تكون عبدًا لأحد ممن خلق الله على هذه الأرض، فهو يشرق من جميع نواحيه على أجيال الناس كلها كما تشرق الشمس، ترمي بأشعتها هنا وهنا، ولا يملك الناس إلا أن ينصبوا لها وجوههم وأبدانهم؛ ليذهب عنهم هذا البرد الشديد الذي شلَّهم وأمسك أوصالهم عن الحركة. وهو يسير بينهم فتسري نفسه في نفوسهم، فتموج الحياة فيهم بأمواجها التي لا يقف دونها شيء مهما بلغت قوته أو جبروته.
ألا إن الشرق العربي لينتظر صابرًا كعادته هذا الرجل، وإني لأحس أن كل شرقي قد أصبح اليوم يتلفت لا من حيرة وضلال، بل توقعًا لشيء سوف يأتي قد أنَى [حان ودنا] زمانه، ففي كل نفس منه خاطرة تختلج. وهذا الإحساس فينا هو الذي يحملني على الإيمان بأن ذلك كائن عن قريب، وأننا قد أشرفنا على زمن قد كتب الله علينا فيه أن نجاهد في سبيله، ثم في سبيل الحق والحرية والعدل؛ لأننا نحن أبناء الحق والحرية والعدل، قد ارتضعنا لبانها منذ الأزل البعيد. وكل ما دخل علينا في القرون الماضية من المظالم والأكاذيب والاستبداد، لم يستطع أن يخفت ذلك الصوت الذي تتجاوب به نفوسنا باسم الحق والحرية والعدل. إن هذه الشعوب التي تُرى اليوم كأنها على بلادها أسمال بالية ممزقة، قد بدأت تحسُّ أن عليها أن تتجدد أو أن تزول، وطبيعة الحياة تأبى لها أن تزول، فهي لابد أن تتجدد". (جمهرة مقالات محمود محمد شاكر).
ووالله فإني لا أرى هذا الاقتباس إلا لائقًا وخليقًا بشيخنا حازم أبو إسماعيل، فالدرس الثاني من هذه المقالات: كونوا مع الرجل الثائر الواضح عاشق الحرية حازم أبو إسماعيل!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق