منذ عام وبعد خلع
مبارك تولى المجلس العسكري قيادة البلاد وحتى هذه اللحظة تتسم العلاقات المدنية
العسكرية بشيء من الشد والجذب؛ حتى تمخضت هذه العلاقات إلى صورتين أساسيتين:
الأولى علاقة المجلس العسكري مع التيار الإسلامي الفائز بـ70% من مقاعد البرلمان
وهؤلاء لا غضاضة عندهم أن يسايروا رؤية المجلس العسكري في تركه الحكم في آخر شهر
يونيو القادم بل وكتابة الدستور أولا وقبل الانتخابات الرئاسية، ثم بقاء حكومة
الجنزوري وعلى رأس هؤلاء الإخوان المسلمون والسلفيون ومعظم القوى الليبرالية!!
الثاني القوى الثورية والشبابية والثقافية غير المدجنة المصرّة على رحيل العسكر
عقب انتخابات الشورى من خلال إجراء انتخابات رئاسية عاجلة وإقالة حكومة الجنزوري
فورا وكتابة الدستور في ظل رئيس مدني منتخب واحترام إرادة الناس المتمثلة في
الإعلان الدستوري.
هذان الفريقان بهاتين
الرؤيتين أصبحا يمثلان حالة من الاستقطاب المتزايد يوميًا وهو استقطاب لا يفيد
الثورة وأهدافها القريبة والبعيدة بأي شيء سوى اتهام الفريق الأول بقبول الابتزاز
والإكراه السياسي من جانب العسكر المصر على بقائه أثناء كتابة الدستور.
والحق أن الفريق الثاني باعتراضه على هذه
الخارطة لا ينال من الفريق الأول في شيء سوى الأمور الظاهرية فقط، وأما الباطن فلو
أمعن الإسلاميون النظر فيه لوجدوا أن هذا خيرا لهم وللثورة ولمستقبلهم السياسي في
رأس السلطة التنفيذية!
فمنذ عدة أسابيع خرج
علينا عصام العريان رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب متحدثًا عن مجلس
الدفاع الوطني بكيفية خطيرة ثم من قبلها وحتى الآن رأينا الكلام المتزايد عن ضرورة
وجود رئيس توافقي غير محسوب على النظام القديم وغير عسكري وكل هدفه أن يلملم شعث
الفرقاء وهو كلام ظاهره الصحة وباطنه الإكراه السياسي، لأن المقصد من الوقوف خلف
هذا التوافقي أن يُرضي الغرب والشرق وبعض القوى في الداخل!
فأما لجنة أو مجلس
الدفاع القومي فهي قضية خطيرة إن ارتبطت بأغلبية عسكرية تجب ما تشاء من الاتفاقيات
الدولية والداخلية وتقبل ما تشاء وتعترض على ما تشاء بحجة الأمن القومي وتكون نسبة
المدنيين فيه قليلة مقارنة بالعسكريين فهذا المجلس بهذه الصورة خطر مباشر على حرية
الشعب وإرادته في اختيار رئيس قوي معبر عنه؛ لأنه يُذكرنا بتركيا قبل 60 عامًا
والمستنقع الباكستاني هذه الأيام.
إننا نفهم إذن إصرار
العسكر على بقائه لآخر شهر يونيو ليضمن كتابة الدستور على عينه قبل وجود الرئيس
المدني المنتخب لعدة أمور:
1- لتقليل صلاحيات الرئيس المنتخب وجعله مقارنة بمجلس
الدفاع الوطني مجرد رجل يتحلى بمنصب شرفي؛ لأنه سيصبح بلا أي صلاحيات!!
2- إنشاء مجلس الدفاع الوطني بهذه الكيفية الخطيرة على
الثورة، والتي تتعارض مع مفهوم الإرادة الشعبية والديمقراطية ومبدأ سيادة الأمة،
والذي سيصب رأسًا في مصلحة المؤسسة العسكرية واستقلاليتها وضمان سيطرتها على
الملفات السيادية بل والسياسية!
أما الإسلاميون فإن
موقفهم الغامض من هذين الأمرين بل والقبول بهما والتصريح بهذا القبول في بعض المناسبات المتفرقة لا أفهمه على أنه أحد
أمرين:
1- أنهم يُسايرون العسكر ويعتقدون أنهم يوازنون أمورهم
لأنهم خاضعين تحت إكراه سياسي ويخشون النموذج الجزائري، وهم بهذا يتواءمون أو
يكيفون وضعهم مع الفكر "الإصلاحي التدريجي" في أدبياتهم وأفكارهم
التقليدية، وهو إصلاح يقتل اللحظة الثورية ويجهضها ويبدأ الكرَّة من جديد في
النضال الوطني مع المؤسسة العسكرية التي ستستقل بنفسها وبالملفات السيادية للدولة،
ويرون أنهم بهذا الوضع أفضل من المربع صفر!
2- أنهم يريدون نظامًا برلمانيًا يتعاملون فيه رأسًا مع هذه
المؤسسة العسكرية التي سيتقاسمون معها المسئولية، فلهم الوزارات الخدمية وبعض
الوزارات الهامة في بعض الأوقات وللعسكر الباقي كما أشرنا، ومن ثم فلا داعي أن
يدخل طرف ثالث في هذه المعادلة ونقصد الرئيس طبعا، فمن الأفضل تقليل صلاحياته
ليكون أقرب للمنصب الشرفي منه إلى المنصب الفعلي، ولذلك فهم لم يرشحوا رئيسًا من
تياراتهم وجماعتهم، ولا مشاحة أن يكون الرئيس توافقي أو غير توافقي بهذه الصورة.
وهذا السيناريو هو
الذي يناضل الثوريون والوطنيون المخلصون لكيلا يتحقق؛ لأنه يعكس الثورة على أنها
كانت مجرد "علقة سخنة" أحدثت "زوبعة في فنجان" لا أكثر ولا
أقل، ومن ثم فالدولة العميقة المسيطرة على مفاصل مصر كما هي وستظل، والتيار
الإسلامي بهذا الأمر يُقنع نفسه بأنه الأكثر فهمًا للواقع، لأنه لا يملك أي جسارة أو
ثورية لتغيير هذا الواقع الذي سيسبّب لهم الآلام والمتاعب والفخاخ مستقبلا؛ لأنهم
لا ولن يضمنوا أن يكونوا مثل العدالة والتنمية الآن في تركيا بعد عقود من الشد
والجذب والقتل والإطاحة والتهديد المباشر؛ ثم هو يقلل من الفعل الثوري ويستهزئ به
لأقصى درجة ممكنة؛ لأن الثورة لا تقبل هذه الاتفاقيات التي تدور في الغرف المغلقة،
لأن منطقها المكاشفة والمصارحة واحترام إرادة الأمة والناس والبسطاء.
ما الحل إذن؟!
الحل أن يظل الضغط
الثوري متألقًا وضاغطًا لأقصى درجة وعلى أهبة الاستعداد دائمًا وأن يسعى لفتح مجال
واسع مع التيار الإسلامي ليفهمهم خطورة ما هم مقدمون عليه من كتابة الدستور أولاً
وما يُراد فيه، وطبعًا ولأن الثوار لا يملكون نواة مركزية – وهو أمر إيجابي من
وجوه وسلبي من أخرى – فعليهم أن يسعوا لهذا الأمر من الآن وفورًا وأن يلتفوا حول
أنفسهم ليستطيعوا التواصل والضغط في آن واحد، حتى يتحقق لهم أن الإسلاميين يحترمون
إرادة الأمة ويسعون لكتابة الدستور على مهل والاستفتاء عليه في ظل الرئيس المنتخب
غير التوافقي بالمعنى الآنف للمصطلح!
إذا وافق الإسلاميون
على احترام الإعلان الدستوري أو كانوا في مرحلة اضطراب لم يحسموا أمرهم بعد فعليهم
تحقيق أمر والتنبه لآخر:
1- السعي للإطاحة بحكومة الجنزوري لأنها ستقترض من صندوق
النقد الدولي مبالغ كبيرة لها مديونية عالية واجب سدادها سريعًا فضلاً عن
"تدبيس" نفسها ومن يأتي من بعدها من حكومات في تحمل نفقات وأعباء
اقتصادية مهولة تصب كلها في إفشال أي حكومة لاحقة ستكون أغلبيتها من الإسلاميين
طبعا، وهذا الأمر فصّله أحمد منصور الصحفي والمقدم بقناة الجزيرة في مقالين مهمين
أرجو أن نراجعهما بتأن لنرى حجم الكارثة الاقتصادية المقبلون عليها.
2- عدم القبول بأي تدخل عسكري مباشر في سوريا إن تم
الاقتراح بهذا الأمر وعرضه على مجلس الشعب قبل انتخاب الرئيس؛ لأن هذا سيسوّغ الإسراع
في كتابة الدستور وتكوين مجلس الدفاع الوطني بالكيفية التي أشرنا إليها؛ ولأنه
سيجعلنا نتحمل نفقات كبيرة لا طاقة لنا بها فضلاً عن تأزم الوضع السياسي في مصر
وتدهوره وقد يؤدي لتأجيل الانتخابات الرئاسية وإبقاء الوضع على ما كان عليه أيام مبارك
مع تقديم الإسلاميين لرئاسة حكومة يتم تدبيسهم فيها بسبب قرارات الجنزوري ومن قبله
عصام شرف، وهذا التدخل أشارت له بعض الصحف ووسائل الإعلان مؤخرًا، وهو احتمال ضعيف
غير قاطع حتى اللحظة لكن وجب التنبه والاستعداد له؛ ويمكن دعم الثورة السورية من
خلال الجيش السوري الحر مؤقتًا.
هذه رؤية سريعة عن
كارثة كتابة الدستور أولاً، أرجو كل الرجاء ألا ينساق الإسلاميون خلف هذا الأمر
الخطير بهذه الكيفية الكارثية.
الله يفتح عليك
ردحذفللأسف الإسلاميون تحولوا لعبء على الثورة و لو بحسن نية
ردحذف