إن النظرة المتأملة
للثورات الشعبية التي قامت في القرن الماضي في بقاع شتى من العالم، تثبت لنا أمرًا
الدور الحاسم والمهم الذي لعبته المؤسسة العسكرية في تلك الدول سلبًا أو إيجابًا
في المسيرة السياسية لتلك البلدان.
سيطرة المؤسسة
العسكرية على مصر
وفي مقال له بتاريخ 30
أبريل 2004م كتب الباحث السياسي المخضرم منذر سليمان بجريدة "الحوار
المتمدن" مقالاً مهمًا عنوانه "الجيش
والسياسة والسلطة في الوطن العربي" تحدث فيه عن إمكانية حدوث هبات شعبية جراء
الأوضاع السياسية والاقتصادية السيئة التي تعاني منها البلدان العربية ومدى تداخل دور
المؤسسة العسكرية في هذه الأحداث، وهذا ما حدث بعد 7 سنوات من مقاله ذلك، وقد جاء
فيه: "إن الهزات النقدية التي ستنشأ بسبب التضخم و ارتفاع أسعار المواد
الأساسية وانخفاض القدرة الشرائية وقيمة العملة الوطنية ستؤدي إلى هز صورة
الاستقرار وستكون "صرخة" أفراد المؤسسة العسكرية والأمنية أقوى
واندماجهم أسرع في حركة الشارع الجماهيرية خاصة عندما يتعذر على السلطات إحكام
السيطرة على المؤسسة العسكرية خلال فترة مستديمة من التحرك الشعبي. ربما يكون هذا
السيناريو مغرقا بالتفاؤل حيال إمكانية انتقال المؤسسة العسكرية إلى خيارات بعيدة
عن حماية النظام القائم ولكنه يبقى احتمالا واردا يستوجب على القوى والمنظمات
والأحزاب السياسية التي تنشد التغيير الديمقراطي والجذري في العالم العربي أن تدخل
في حساباتها الدور الحيوي الذي يمكن أن تلعبه المؤسسة العسكرية سلبا أو إيجابا في
معركة التغيير وألا تدير ظهرها كليا لقطاع واسع من المجتمع وتصنفه بصورة أبدية في
المعسكر العادي".
واليوم وبعد قيام
الثورة في خمس بلدان عربية يمكن من واقع التجربة الحية أن نصنف دور المؤسسة
العسكرية في مساعدة الجماهير على إحداث التغيير المنشود كما حدث في تونس حتى الآن،
أو محاولة احتوائه كما حدث في مصر، أو محاولة القضاء عليه كما حدث في سوريا وليبيا
أو العجز عن القيام بأي دور كما في اليمن!
إنه لا يمكن أن نغض
الطرف عن تاريخ العلاقات المدنية العسكرية في العقود الثلاثة الأخيرة، والتي تؤكد
أن المعادلة القديمة التي تقول إن أساس الحكم في البلدان العربية كان ولا يزال
قائمًا على الارتكان لهذه المؤسسة التي من المفترض – في المخيلة الشعبية والسياسية
- أنها كيان محايد لا شأن له بالأوضاع الداخلية في محاولة يائسة لخداع النفس الذي
يتنافى مع التاريخ الطويل من السيطرة السياسية والاقتصادية والقانونية من وراء
الستار والتي ستشبه إلى حد كبير تلك الممارسات التي تتجلى في "المجمع الصناعي
الحربي" في الولايات المتحدة والتي يمكن أن نرها في مصر عما قريب إذا أذعن
التيار الإسلامي صاحب الأغلبية البرلمانية والشعبية إلى مطالب هذه المؤسسة.
فعلى صعيد السيطرة
السياسية لطالما كان انقلاب 1952م في مصر البداية الحقيقية لعسكرة الحياة السياسة طوال
الستين عامًا التالية، لذا طالما كان الرئيس من المؤسسة العسكرية التي ترتضي
التعاون مع القوى الدولية الجديدة بريطانيا أولاً ثم روسيا في مرحلة ما ثم
الولايات المتحدة قبيل حرب أكتوبر 73 وحتى الآن فلا ضرر في استمرار هذه المؤسسة في
عملها طبقًا للإستراتيجية التي خطتها لنفسها، ولا داعي لأن يقحم العسكر أنفسهم في
الحياة السياسية أو التآمر لإحداث انقلاب عسكري مباشر طالما كان رئيس الجمهورية
"القائد الأعلى للقوات المسلحة" ابن من أبناء هذه المؤسسة، ولنا أن نحكم
على الحياة السياسية والديمقراطية والحزبية في مصر طوال هذه الأعوام الستين بالفشل
الذريع الذي كان سببًا في قيام ثورة 25 يناير 2011م، والتي ارتضى كل الأطراف مرة
أخرى أن تكون المؤسسة العسكرية هي الحاكم للمرحلة الانتقالية المفخخة!
أما على صعيد الممارسة
الاقتصادية فمن أجلى ما كُتب في هذا الشأن ما ذكرته أستاذة العلوم السياسية
الدكتورة رباب المهدي في مقال لها بعنوان "العلاقات المدنية العسكرية في
مصر" نشرته صحيفة الشروق المصرية في 8 يناير الماضي جاء فيه: "تُعد المؤسسة
العسكرية من ناحية ما مؤسسة أعمال تجارية مترسخة في الاقتصاد (تساهم بـ25 - 40 %
من الناتج الإجمالي المحلى) ولكن الأكثر خطورة من ذلك هو ترجمة هذه القوة
الاقتصادية في قاعدة دعم اجتماعية؛ بمعنى أن هناك 400000 مهني بالجيش وأسرهم والتي
يمكن أن تقدر بـ2 مليون مستفيد من الترسيخ الاقتصادي للمؤسسة العسكرية".
بل أكثر من ذلك تملك
القوات المسلحة بقوة القانون والتشريع منذ انقلاب 52 وحتى اليوم السيطرة على معظم
أراضي القطر المصري غير المأهولة، وهذا ما كشفته الدكتورة زينب أبو المجد في
مقالها شديد الأهمية بتاريخ 6 مايو الحالي وعنوانه "دولة قانون وزارة
الدفاع" والذي أوضحت فيه أن مساحة مصر غير المأهولة تخضع لسلطة ثلاثة هيئات
حكومية على رأسها العسكر؛ قالت: "عندما أصدر المخلوع قانوناً لإنشاء هيئات
تدير أراضي الدولة، لم تكن مفاجأة لأحد أن العسكر احتفظوا بموقعهم فوق الممتاز على
رأس كل منها. أنشأ المخلوع ثلاث هيئات رئيسية لهذا الغرض في مجالات السياحة
والصناعة والزراعة، ويتربع على عرش ثلاثتهم اليوم لواءات من الجيش. تقول المادة ٢
من قانون رقم ٧ لعام ١٩٩١: إن هيئة التنمية السياحية تقوم على التصرف في الأراضي
المخصصة للسياحة، وهيئة التعمير والتنمية الزراعية تتولى الأراضي المخصصة
للاستصلاح، ثم هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة تقوم على أراضي المجتمعات
العمرانية الجديدة، وهي أيضاً تقيم المناطق الصناعية والأسواق. اليوم، رئيس الهيئة الأولى هو اللواء طارق سعد الدين،
والثانية هو اللواء كمال الدين حسين، ومدير الثالثة هو اللواء إبراهيم العجمي"!
فكيف يمكن أن نصدق أن
المؤسسة العسكرية التي تسيطر على 40% من الاقتصاد المصري وظلت طوال 60 سنة تسيطر
على الحياة السياسية وتسيطر على 90% من مساحة مصر .. كيف يمكن أن تتخلى أو تقبل
التخلي عن سلطتها وتسلم أهم كيان لها منصب رئيس الجمهورية لتيار إسلامي جاء على
رأس المشهد السياسي بعد ثورة شعبية اقتربت أن تكون في ذمة التاريخ دون توافقات أو
ضمانات ما؟!
أثر انقسام
التيار الإسلامي على مستقبله السياسي
من خلال تحليل سريع للـ15
شهرًا الماضية التي أعقبت خلع مبارك يمكن أن نقول إن الإستراتيجية العسكرية قامت
ولا تزال على تحقيق هدفين: الأول تشظي القوى السياسية والشعبية التي قامت بالثورة
وهذا أمر نجحت فيه إلى حد كبير. والثاني: تفخيخ التيار الإسلامي ذاته وشرذمته وهذا
ما نجحت فيه كذلك بنسبة كبيرة فقد ظهر بوضوح هذا الاختلاف في البرلمان ورفض حزب
النور السلفي لإقالة الحكومة ومنذ وجود أبو إسماعيل في سباق الرئاسة وعدم دعمه لا
من الإخوان ولا من التيار السلفي رغم شعبيته الجارفة وتخليهم عنه في معركته
العادلة وبدا أن كلا الفريقين شعر بالراحة منذ استبعاده ثم في المعركة الانتخابية
الدائرة التي تلخّص المشهد المأساوي لهذا التيار؛ فيقف الإخوان المسلمون وحزبهم
خلف محمد مرسي وتقف الدعوة السلفية وحزبها خلف عبد المنعم أبو الفتوح، وكلا
الجانبين يلقي اللائمة على الجانب الآخر لأنه عمل على تفتيت "الصف" و"شقه"
ولا يمكن أن نقول إن التيار الإسلامي في
مصر موحد!
في ظل هذا المشهد تصبح
معركة الرئاسة والدستور أهم المعارك التي يخوضها هذا التيار مع المؤسسة العسكرية
التي صرحت بوضوح أنها لن تتنازل عن حقوقها "الاقتصادية"
و"ستقاتل" للدفاع عنها، ولا نستغرب إذا دافعت عن مكانتها السياسية
والقانونية كذلك من خلال "مجلس الدفاع الوطني".
ومن هنا نقول إن
التيار الإسلامي في مصر فشل فشلا ذريعًا في تعامله مع المؤسسة العسكرية، ولم يستطع
حتى هذه اللحظة إعادة الجيش لوضعه الطبيعي والقانوني، وقد كان هذا التيار على الدوام
حتى الآن رد فعل، فلم نره يملك الإستراتيجية التي تعمل إعادة الحياة السياسية
والاقتصادية والقانونية لصاحبها الأصيل "الشعب المصري" بل ولم يستفد
بالفعل "من تجارب التاريخ" التي كانت السبب الأصيل في تحجيم هذا التيار
واضطهاده عبر عقود طويلة في العلاقة الجدلية بينه وبين العسكر، واليوم يعمل العسكر
على إعادة "تحجيم" التيار الإسلامي بتفتيت المفتت، وتحالفه الوقتي مع
أحد جناحي التيار الإسلامي لضرب الجناح الآخر بحسن نية هذا الفصيل أو سوئه، ولا
يمكن في إطار المعركة الانتخابية الدائرة أن نضمن "نزاهة" الانتخابات
الرئاسية في ظل المادة 28 من الإعلان الدستوري التي تحصن قرارات لجنة الانتخابات
من أي طعن عليها، ويصبح التيار الإسلامي بالفعل في مهب الريح إذا وصل رئيس من
النظام السابق إلى الحكم مرة أخرى، فقد نرى حل البرلمان، وقد نرى تحالفًا وقتيًا
يقبل فيه الإسلاميون ببعض الوزارات الهامشية، وقد يصل رئيس إسلامي للحكم في ظل
مواد دستورية تضع للمؤسسة العسكرية مميزات وحصانات معينة، لكن سيطرة التيار
الإسلامي لن تتحقق كاملة في ظل الضعف والهزال الذي وصل له منذ الثورة وإلى الآن،
وفي ظل عزوف الشارع عن معاضدة هذا التيار، ولا يبقى مع بعض التعديلات التشريعية
الأخيرة على قانون انتخاب رئاسة الجمهورية إلا إعادة شحن الشارع من الآن لضمانة
عدم تزوير الانتخابات التي تعد معركة حياة أو موت لهذا التيار بالفعل، هذا إن لم
يكن هناك اتفاقات مبطنة مع العسكر!
نُشر في موقع رصد الإخباري وصحيفة المصريون اليومية
أتفق معكم فيما ذهبتم إليه
ردحذفعدا جزئية انقسام التيار الإسلامي وارجاعها للأسباب التي ذكرتم..
فالتيار الإسلامي متخبط الأداء، لم يعمل وفق معيار أساسي
وجاءت الأسباب التي ذكرت لتكمل انفراط العقد ولم تكن هي الأساس!
صحيح شعبية أبو اسماعيل -مع حفظ الألقاب- كانت جارفة ولكن لم يوجد عليها اجماع وطني بالمعنى الكامل!
كذلك موضوع اقالة الحكومة من عدمها فالأمر خارج نطاق الطرفين -الحرية والعدالة والنور- حتى وان اتفقا على ذلك فليس لهما اقالتها..!!
الإتفاق مفترض يبنى على التغيير الجذري والمطلب الثوري أما عدا ذلك فالمساحة تضيق أو تقصر..