يقف ذلك الغربي البعيد
مندهشًا من هذه الشعوب العربية التي تواتيها فرصة التحرر الوطني من نير الاستبداد
والاستعباد الخارجي والداخلي ثم تتوه عن وجهتها وغايتها بسذاجة وخفة بالغتين، ثم
يقول: ما هذه الشعوب التي تثور على النظام القديم ثم تتعبها الثورة ومسارها فتسمح
لذات النظام أن يعيد قيده وجبروته من جديد؟!
سؤال يبدو في ظاهره
التهكم والسخرية من مقدار الجهالة التي نرسخها في أذهان الآخرين عن أنفسنا، لكنه
في أعماقه ذبح لكل وطني تسقط هذه الكلمات على نفسه سقوطًا أعظم من كرابيج الطغيان
وزنازينهم.
لا إنسانية دون كرامة،
هي المعادلة بل السنة الإلهية التي خلدها القرآن: "ولقد كرمنا بني آدم".
ومهما قيل عن تاريخ الحركات الإسلامية الإصلاحية عبر مسيرة التاريخ الإسلامي من
تقييمات تجعلها في مصاف المجتمعات أو في سوادها، فإنه تبقى الحقيقة الخالدة التي
سطرها الكواكبي في عبقريته "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" خلاصة
قوية ومباشرة لجدلية الإصلاح في ظل الاستبداد عبر مسيرة التاريخ؛ حيث يقول رحمه
الله: "الاستبداد أعظم بلاء، يتعجَّل الله به الانتقام من عباده الخاملين،
ولا يرفعه عنهم حتَّى يتوبوا توبة الأنفة. نعم؛ الاستبداد أعظم بلاء؛ لأنَّه وباء
دائم بالفتن وجَدْبٌ مستمرٌّ بتعطيل الأعمال، وحريقٌ متواصلٌ بالسَّلب والغصْب،
وسيْلٌ جارفٌ للعمران، وخوفٌ يقطع القلوب، وظلامٌ يعمي الأبصار، وألمٌ لا يفتر،
وصائلٌ لا يرحم، وقصة سوء لا تنتهي"[1].
ولطالما أثبت التاريخ
صحة استنتاج الكواكبي في عبقريته الآنفة، إن الوقت الذي تنازل فيه المسلمون عن
مشروعهم المادي والمعنوي، أي الدولة والدعوة صاروا في مهب رياح الأمم، والأمثلة في
بقاع العالم من شرقه إلى غربه لا تفتر عن تذكيرنا بهذا الوباء المتجدد، أي إسلام وإصلاح
وحرية وكرامة ومشروع رسالي رأيناه عند موريسكي الأندلس، أو مسلمي صقلية زمن
النورمان، أو مسلمي القوقاز تحت نير روسيا القيصرية ثم الشيوعية، أو مسلمي الصين
الشرقية اليوم، أو حتى العالم العربي الإسلامي في ظل الهيمنة الفرنسية الانجليزية
ثم الأمريكية الصهيونية اليوم؟!
إن الإجابة لا شيء،
غير حالة من العبثية المتجددة، صحيح أن للحركات الإصلاحية دورها في تقوية عزم
الشعوب وتحريكها أو تطهيرها من نير الجهل بالدين لكنها على مستوى مقاومة الطغيان
صفر اليدين.
شعب مصر على سبيل
المثال قام في المائتي عام الأخيرة بخمس ثورات كبيرة كلها باءت بالفشل، والتف
عليها الطغيان من جديد، ثورة عمر مكرم 1800، 1801م ضد الحملة الفرنسية وأكل ثمرتها
محمد علي وقد دمر فيها كل من قاموا بالثورة ليمسي المصري الحر عبدًا للدولة
الحديثة، وثورة عرابي ضد ظلم الخديو توفيق وأسرته سنة 1882م وقد فشلت ونفي عرابي
وزملائه، بل كانت وبالا على المصريين لأنها شرعنت للاحتلال الانجليزي الذي ظل لمدة
70 سنة تالية، والثورة الشعبية بقيادة سعد زغلول ورفاقه سنة 1919م ضد الاحتلال
الانجليزي وقد ضحك عليهم الانجليز باستقلال صوري وتم حصار الثورة في المسالك
السياسية، وانقلاب 1952م على الملكية الذي تحول إلى حركة شعبية تم بموجبه الشرعنة
لحكم عسكري سحق كل القوى السياسية وظل إلى الآن، ثم ثورة يناير 2011م والتي يبدو
أنها في أيامها الأخيرة بسبب غباء الحركات الإصلاحية والسياسية التي انتهجت
الفلسفة الإصلاحية في واقع ثوري حتى تم الإفراج عن المجرمين الذين قامت الثورة
ضدهم!
***
نحن الآن كمن بدأ
مرحلة الغرق فإما ينتشله أحد أو أن يضيع في بحار النسيان كما ضاع الجاهلون من
قبل..
أولاً علينا أن نستقرئ
من مع فريق شفيق الآن وماذا يفعلون:
1-
الإعلام الرسمي
والخاص في مجمله معه وسياسة التخويف من التيار الإسلامي "الإرهابي" على
قدم وساق.
2- القوى التي تسمى نفسها مدنية والتي طالما لعبت دور
المعارضة المستأنسة زمن النظام السابق تلعب نفس الدور باحترافية شديدة، تفرض على
الإخوان إتاوة سياسية رخيصة في وثيقة العهد، وتنتظر منها الرد إما بالموافقة وهذا
غير وارد طبعا وإما الانحياز لشفيق ليظهروا أمام الشعب أنهم قدموا "طوق
نجاة" للإخوان لكنهم رفضوا، ليظهروهم أمام الشعب أنهم يريدون
"التكويش".
3- فريق من المثقفين والسياسيين الذين حسبنا أن بهم مسحة من
الشرف والرجولة يبيعون الثورة بصمتهم وسكوتهم وإظهار حيادهم، ولقد سوّقوا للناس
أنهم ضد الدولة الاستبدادية التي يمثلها شفيق، والدولة الدينية التي يمثلها مرسي،
والحق أنهم بهذا الموقف مع شفيق على مستوى النتائج.
4- الحزب الوطني منتشر في القرى والمدن يدعم شفيق بلا
مواربة، أو بث روح المقاطعة في الناس لمن رأوا منه ترددا وكرها لشفيق، والمليارات –
بلا مبالغة – تقدم كرشاوى للناخبين من الآن.
5- الحكومة تحشد كافة المنتمين لها لانتخاب شفيق،
والتصريحات المنقولة عن محافظ بني سويف، وتسريبات عن محافظ كفر الشيخ أصبحت أمرا
معلوما للكافة طبقا لجريدة المصريون بتاريخ 2 يونيو.
6- المجلس العسكري لا يمكن أن نقول إنه مع مرسي أو أنه يقف
على الحياد والسخونة التي نراها في مجلس الشعب أخيرا أفضل دليل على هذا.
7-
المؤسسة
المسيحية الرسمية ومن اقتنع برأيها ممن يرون في مرسي ترسيخا للدولة الدينية التي
قد تضطهدهم، وشفيق المنقذ لهم!
8- كل من يدعو للمقاطعة ولو بحسن نية، فإن نتيجة فعله هذا
في صالح شفيق بلا أدنى شك؛ لأن شفيق يملك كتلة تصويتية صلبة قد لا تقل عن 7 أو 8
مليون صوت، ومن ثم فمن مصلحته ألا يصوت ضعف هذا الرقم لمرسي، ومن هنا تصبح
المقاطعة عاملا من عوامل نجاحه بلا شك.
وأما الفريق الذي يمثل
الثورة فهو ما يلي:
1- الإخوان المسلمون ومرشحهم – مع تأكيدنا على الكوارث
السياسية التي وقعوا فيها والتي أوصلتنا لما نحن فيه الآن – هم فريق لا شك أنه مع
الثورة قلبا وقالبًا وحركة على الأرض.
2- كل مجموعة ليبرالية أو شبابية أو ثورية أو إسلامية وقفت
مع مرشح الثورة مرسي ضد شفيق، بلا شروط أو ضمانات وعلى رأسها حازم أبو إسماعيل
وأنصاره، وعبد المنعم أبو الفتوح وأنصاره (مع شروط اشترطها فيها المهم وفيها الغريب)،
والتيار الإسلامي كله بحركاته وأحزابه، وحزب غد الثورة وحركة شباب 6 إبريل وغيرهم.
ولاشك أن الفريق
الثاني (فريق مرسي) لا يملك ما يملكه الفريق الأول (فريق شفيق) إلا الحركة في
الأرض وهذه لاشك أن لها نتائج قوية، لكنها قد تتضاءل أمام القوة المالية
والإعلامية والفعلية على الأرض أمام الفريق الأول!
المعركة الآن معركة
وعي ووحدة، والوقوف خلف مرسي بلا ضمانات أو اشتراطات فارغة، والانتشار بين
الجماهير، والجهد الدؤوب لإظهار خطر النظام البائد على الثورة بل على أي ثورة
محتملة في الوطن العربي والإسلامي كله، ويبدو أن الحل الواقعي يتمثل مع ما سبق في
مسارين هما انتخابي وثوري على التوازي، الأول يجب أن يتحد فيه الجميع ويعملوا على
الأرض لتحقيق نتائج تصب في صالح الثورة. والثاني يضمن إلى حد ما نزاهة العملية
الانتخابية والحراسة الشعبية للمرحلة الثانية من الانتخابات.
أما الاقتراح القائل
بمجلس رئاسي مدني فهو صعب المنال سياسيا ودستوريا في ظل مجلس شعب منتخب، وسلطة
عسكرية لن تتقبل هذا اللهم إلا بثورة قوية، بل وفي ظل قوى سياسية كثير منها من
يقدم المصلحة الشخصية على المصلحة العامة للوطن، فضلا عن ضرورة إعادة تعريف معنى
وحجم كل قوة وفصيل من هؤلاء؛ فقد كانت من جملة الاقتراحات التي تسعى لتشكيل مجلس
رئاسي مدني أن يكون فيه أحد المرشحين الذي لم يحصل على أكثر من 134 ألف صوت في
الجولة الأولى خارجا من السباق الرئاسي بأوسع أبوابه وينسى آخر تم استبعاده ظلما
حصل على 158 ألف توكيل، فما بالنا لو دخل السباق الانتخابي.
إن المجلس الرئاسي
المدني والمنادون به والمصرون عليه إنما يفخخون اللحظة الثورية التي عادت من جديد
مطالبة بعزل شفيق طبقا لقانون العزل، ويضيعون الحراسة الشعبية للجولة الثانية من
الانتخابات، ويصنعون الإحن السياسية التي تجعل كل مجموعة ضئيلة من الناس تفرض
نفسها لتزيد من تعقيد المشهد. ولن تفلح هذه الآلية إلا بطريقة شرعية لا تقبل
المساس أو المساومة أو التفخيخ في قابل الأيام وهذا في ظل واقع سياسي معقد من المستحيلات
الأربع!
نُشر في شبكة رصد الإخبارية و جريدة المصريون و رابطة النهضة والإصلاح
يا حبيب قلبي .. الإخوان ضيعوا فرصة العمر ، و مثلهم شباب الثورة !!!
ردحذفأضاعوا الشعب و طاقته حين بددوا طاقة الملايين التي نزلت في مسار هبل و خطل و تخلف .. إسموه مع غيرهم من دراويش الغيبوبة : مسار "الإنتقال السلمي للسلطة" !!!!
و ندفع جميعا ثمن غلطة غباء الإخوان ، و قلة خبرة الشباب الثوري ، و شعبنا اللي محدش فاهمه ، و لا عاوز يفهمه !!!
بينما يظل الاهتمام بالأراذل النتسلطين عليه !!! سبحان الله .. الموضوع يطووووول ، تحياتي