رئيس جديد انتخبناه،
جيل قديم لا يزال مندهشًا من أن رئيسًا منتخبًا قد جاء أخيرًا، من هذا الجيل من
يكتم سعادته ولا يبديها لأنه لم يستطع أن يقف أمام الطواغيت يومًا من أيام حياته،
ومنهم من عادت به الثورة إلى الصبا، ومنهم كمن اتبع موسى عليه السلام ثم رجع
فعبدوا العجل مذبذبين لا لون لهم، ثم على رأس هؤلاء المعاندون المحاربون للثورة.
وجيل جديد يصدق هذا
بحذر، فهو الذي صنع الثورة على عينه، وهو الذي يريد أن يصنع لرئيسه وجمهوريته
الجديدة كرامة وعزّة، ولا ننفي أن من جيل الشباب من يتبع المدرسة النمطية القديمة
التي تؤمن بأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان، وهم على أية حال قليل.
وبين الجيلين تكمن
المعادلة أو الحرب، الثورة والثورة المضادة، من يبغي الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية
ومن يبغي التبعية والذل وقد عشق العبودية.
إذا كانت القضية قد
اتضح فيها الخيط الأبيض من الأسود منذ شهور خلت، لماذا نرى من لسعوا مرارًا مصرين
على مسك العصا من المنتصف؟
الإعلام المنافق، سحرة
فرعون ممن لم ينضموا للثورة النظيفة يرسخون في عقول الناس الأوامر الجديدة: مرسي
نجح ب52% فقط وليعلم أن 48% من الشعب ليس معه، انتهى عهد الفرعون والرئيس ليس
القائد، لابد من الإعلان الدستوري المكمل لأنه يلجم الرئيس ولا يجعله طاغوتًا
جديدًا.
وهم بهذا يصرون على
لبس عباءة النفاق والشقاق، فكأن أولاند في فرنسا لم يأت بـ 52% هو الآخر، ومن قبله
أوباما في الولايات المتحدة وغيرهم كثيرون في دول العالم المتقدم الذي يتخذه هؤلاء
قبلة ونبراسًا، ولم نسمع فرنسيًا أو أمريكانيًا يقول مثل قولهم.
لم نر دولة محترمة في
العالم المحترم تشرّع لمجموعة من الموظفين أن يستعلوا على الرئيس المنتخب، بحجة
حمايته ياعيني من نفسه الأمارة بالسوء، لم نر دولة محترمة في العالم المحترم يخرج
فيها موظف في وزارة الدفاع يقول بكل ثقة إن وزير الدفاع ومجلسه العسكري باق في
منصبه قبل أن يعرف الناس من هو رئيس الوزراء وما رأي الرئيس المنتخب فيمن يبقى ومن
يُعزل من الوزراء السابقين، نعم يعترف لكم الرئيس المنتخب – بشيء من البروتوكولية
واللياقة – ما كان لكم من دور جيد – يراه بالمناسبة جُل الثوار ضد الثورة – لكن ما
يراه الرئيس لا يعني فرض النفس بالقوة.
نعم .. إنها القوة، من
ملكها ملك كل شيء، ومن تنازل أو تخلى عنها فقد كل شيء. هذه هي المعادلة ببساطة،
العقلية العسكرية عبر التاريخ لم تعرف سوى لغة السلاح والتراتبية والقيادة والاستعلاء
على المدنيين الذين لا يفهمون أمننا القومي هذه هي عقيدتها، ولطالما أُبعد طلاب الكليات
العسكرية عن تعلم شيء من الفنون والمعارف الاجتماعية والإنسانية التي تفتح آفاقًا
من التنوير الحقيقي الذي به يفرقون بين الحق والباطل أوقات المفاصلة، ليكون الأمر
والنهي هو المفتاح الحقيقي لهذا العالم المغلق، هذا شيء إيجابي بلا ريب وقت الحروب
والكوارث، لكنه ليس نجاحًا وسيطرة على طول الطريق بطبيعة الحال، إذ الثورة والشعوب
أعظم من أية قوة عسكرية وقد رأينا في روسيا يلستن دور الجماهير في وأد الانقلاب
العسكري عليه، ورأينا في الثورة الفرنسية سحق القوات الملكية الفرنسية أمام الشعب
الهادر، بل رأينا الشرطة المصرية في جمعة الغضب تعلن الاستسلام بعد سويعات قليلة
من مواجهة مع الشعب.
هذه المسلمات أعرف أنها
لا تغيب عن قيادة المجلس العسكري، وهي التي كانت العامل الحاسم في عدم تزوير
النتائج بأي صورة من الصور، حتى لو لم يكن يعلم المجلس العسكري النتيجة مسبقا كما
قال اللواء محمود حجازي!
في الوقت الذي يلعب
المجلس العسكري دورًا جديدًا متمثلا في السيطرة على التشريع بحجة حماية الرئيس من
نفسه، لم نرهم أو نسمع لهم رأيًا في الصلاحيات الخرافية لحسني مبارك، بل لم يعب
عليهم أحد استيلاؤهم على السلطة التشريعية والتنفيذية منذ سقوط حسني مبارك يوم 11
فبراير 2011م وحتى انعقاد الجلسة الأولى لمجلس الشعب يوم 23 يناير 2012م .. 12 شهرًا
كاملاً تقريبًا رأينا فيها شهداء جدد ينضمون لمسيرة شهداء الثورة الأولى، وأوضاع
اقتصادية واجتماعية منهارة ولم يعب عليهم أحد أنهم يملكون السلطة التشريعية
والتنفيذية المطلقة بل ولا يقبلون من مجلس الشعب عزل الحكومة المتورطة في استنزاف
موارد البلاد!
إن أكثر فئة أصابت
الثوار باشمئزاز في الفترة الماضية مجموعة من القانونيين والسياسيين الذين باعوا
ضمائرهم وشرفهم وأخلاقهم بدراهم معدودات؛ إذا قلنا لهم إن المجلس العسكري أخلّ
ببعض بنود الإعلان الدستوري الصادر يوم 30 مارس 2011م رأيتهم إما صامتين صمت
القبور، أو متفلسفين بأن المواءمات السياسية تعطي لهم تخطي ما يريدون تخطيه. ولو
قلت لهم إن المحكمة الدستورية العليا والمجلس العسكري قد حلوا برلمانًا منتخبا من
30 مليون مصري وقفوا على مدار ثلاثة أو أربعة أشهر لاستكماله قالوا لك يجب احترام
القانون، ثم إذا قلت لهم إن العسكر خرج بإعلان دستوري مكمل يكبل صلاحيات الرئيس
المنتخب المعبر عن المصريين الآن قالوا يجب أن نحترم القانون ونحمي الرئيس من
نفسه.
دوامة قانونية جدلية تخطتها
الثورة منذ يومها الأول، وإلا فبهذا المنطق فإن عزل مبارك والثورة عليه جرم كبير،
وتولي المجلس العسكري لمقاليد البلاد غير قانوني وغير هذا.
الثورة ببساطة انقلاب
على المألوف الفاسد، وإن الرئيس المنتخب الذي جرّب هو وجماعته وحزبه عبر 17 شهرًا كل
أشكال المفاوضات والغرف المغلقة والمفتوحة لا يجب أن يقع في نفس الجحر الأسود مرة
أخرى.
ببساطة لا يجتمع
النظام القديم والجديد في بوتقة واحدة وإلا غلب القديم الجديد وسحقه، والمصالحة
الوطنية شيء رائع، لكن نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم كما قال لأهل مكة اذهبوا
فأنتم الطلقاء. أمر أصحابه بقتل 6 من رؤوس الكفر والفساد ممن حاربوا حربًا لا
هوادة فيها على المستوى النفسي قبل البدني، ولو تعلقوا بأستار الكعبة.
الدولة المصرية
الجديدة لا تريد رئيسًا طرطورًا، أو رئيسًا طيبا إلى الحد الذي يتجاهل فيه تطهير
الجهاز الإداري والأمني في الدولة البوليسية هذه، من يضحكون في وجهه في الصباح
يحيكون له المكر السيئ كل وقت، من يطالبونه بالمصالحة الوطنية لا يقبلونه رئيسًا
عليهم إلا بعد عصر مليون لمونة على أنفسهم، فكيف يقع في نفس الخطأ الذي وقع فيه
سلفه الكتاتني وإخوانه في مجلس الشعب؟
خلاصة هذا المقال: كل
رئيس لا يسيطر على الجيش والداخلية والمخابرات والخارجية لا يرتجى من ورائه شيء.
وكل رئيس لم يملك من هذه الصلاحيات شيء ثم أصر على جعل المعركة صامتة في الغرف
المغلقة لا يصرح للشعب بها لا يُعوّل عليه بشيء. ولنا في المائتي سنة الأخيرة،
وخمس ثورات فاشلة العبرة لمن يعتبر!
سيدي لقد وصفت المشكلة لكنك لم تقترح حلا في ضوء المعادلة المعقدة، فضلا عن أن الوقت لازال مبكرا للحكم على الأمور الآن فأنا أكتب هذا التعليق يوم 13/7 أي بعد ثلاثة عشر يوما فقط منذ تسلم السلطة -الصورية- ونحن نرى شيئا من الصراع يبدو في قرار الرئيس فحكم الدستورية المسيس فالبيان الرئاسي. على كل حال دعنا نكون إيجابيين ومتفائلين وداعين للرئيس بالتوفيق. شكرا لك
ردحذف