سؤال يبدو وجيهًا مع
ما نراه من سياسة الدكتور مرسي رئيس الجمهورية، فإذا كان الرئيس يدرك – وهو يدرك
قطعًا – أن الشعب قد جاء به إلى سدة الرئاسة أعلى سلطة في البلد؛ فإن هذا الإتيان
بحسب منطق الأشياء وبحسب تصريحاته في بيانه الأول قبل قسم الولاء يستتبع تحقيق
مصالح العباد والبلاد.
إن أول مصلحة على طريق
تحقيق أهداف مشروع النهضة، بل أهداف أي نهضة في أي بلد ومع أي بشر تتمثل في
السيطرة على الدولة، وهذه السيطرة في واقع ثوري أُرهق وشُتت ومُزّق كل ممزق في 16
شهرًا كاملاً لا تعني بأي حال من الأحوال أن تدار الدولة والثورة بمنطق المراوغة
السياسة، أو حرب الغرف المغلقة، أو حتى تفاهمات الغرف المغلقة.
والأمثلة على نجاح
الأمم وفشلها أكثر من أن تحصيها المجلدات فضلا عن مقال ضئيل؛ بوضوح يسير مرسي على
طريق محمد نجيب إذا ظن لوهلة أنه من المنطقي أن تتجمع بواقي النظام القديم مع
عقلية النظام الجديد في إدارة بلد يريد أن ينطلق إلى الجمهورية الثانية؛ في كل
البلدان التي قامت فيها الثورات كان للبيان رقم واحد سواء كان عسكريًا أم مدنيًا
بصورته الديمقراطية الانتخابية دلالته العميقة التي تعني أنه تمت القطيعة مع
الماضي الفاسد، عبد الناصر نفسه سار بهذا المنطق مع الملكية ثم بهذا المنطق مع
محمد نجيب ثم بنفس المنطق مع الإخوان ثم بنفس المنطق على ما تبقى من معارضة وظل
مسيطرًا على الدولة لمدة 16 عامًا كاملة لا ينازعه فيها منازع؛ برغم كارثة احتلال
المضايق البحرية في عدوان 56 ولم يعرف الشعب بها، وبرغم الفاجعة الأكبر وهي نكسة
67م التي خرج الشعب مؤيدًا له فيها بدلاً من تهجيره منها!
هذا هو منطق السياسة؛
لكننا في العشرين يومًا الماضية لم نر أثرًا لهذه السياسة التي تقوم على التطهير
والسيطرة ومن ثم النهضة.
قد يقول لي قائل إنك تتعجل، وإن مجرد المراوغة
مع العسكر وحكومة الجنزوري والإبقاء عليهما مع هذه المصائب الحادثة حرق لهم كي
يسهل القضاء عليهم، والحق أن هذا المنطق "التبريري" حالم إلى أقصى درجة،
بل يؤتى منه السيد الرئيس من حيث يظن أنه ظافر؛ إذ أنه قطع على نفسه عهدًا بتحقيق أهداف
خمسة في مائة يوم، فكيف في ظل حكومة طالما عارضتها كتلة الإخوان وحزب الحرية
والعدالة في البرلمان وبطبيعة الحال رئيسها آنذاك محمد مرسي نفسه أن يقبل ما عارضه
بضراوة من قبل ولو ليوم واحد وليس شهران متتابعان!
ثم أليس نكث الرئيس
بوعده –بحجة الحرب السياسية والمراوغة – حرق له، فلا الإعلام معه، ولا الشعب سيظل
مصطفًا خلفه، ولا المصائب ستتوقف لأن الرئيس أبقى على حكومة المشاكل خوفًا من
فخاخها، فها هي أزمات انقطاع الكهرباء في هذا الحر الشديد، والبنزين والاعتصامات
الفئوية التي ظهرت من جديد طفت على السطح والله أعلم بما هو آت فهل ستتيح له
الفرصة لحرق خصومه أم العكس بوضوح؟!
لطالما كان الذكاء
علامة ملازمة للقائد الناجح، موقف الدكتور مرسي مع خصومه يشبه بوضوح موقف محمد علي
باشا مع المماليك في بداية حكمه، ويشبه عبد الناصر مع بعض قادة مجلس قيادة الثورة،
ويشبه السادات مع مراكز القوى، بل ويشبه مبارك مع بعض من كان مقربًا من السادات
ولم يكن يره جديرًا بمنصب نائب رئيس الدولة فضلا عن منصب الرئيس، وكلهم بلا
استثناء لم يحققوا ما يريدونه إلا بعد أن علموا أن الدولة ومؤسساتها أمست خاضعة
لسلطانهم.
إننا لا نريد لمرسي أن
يكون مستبدًا طاغية ولن يكون إن شاء الله، لكننا في نفس الوقت لا نريده أن يكون
بهذا الموقف الضعيف الذي يبدو فيه بوضوح تام غير مسيطر على الدولة ومؤسساتها، والذي
تتجلى آثاره في صحافة الدولة الرسمية وإعلامها الرسمي فضلا عن الإعلام الخاص، فهو
للأسف يظهر أمام الشعب على أنه موظف قد جاء لتحقيق الخدمات وهو في هذه غير قادر
على النجاح لأن خصومه يملكون مفاتيح الحل ومفاتيح الربط.
ليس ثمة إشكالية في
فهم طبيعة الصراع الدائر، وليس ثمة صعوبة في حل هذه الإشكالية، إن الخصم يرسم
للسيد الرئيس دائرة لا يريده أن يخرج منها بأي حال من الأحوال، وهي مليئة
بالتفاصيل اليومية الكفيلة بإلهائه عن الغاية الكبرى ومطالب الثورة، والسياسي
القدير على مدار التاريخ هو الذي لم ولن يسمح لخصومه أن يتلاعبوا، إنه بوضوح يرسم
لهم دائرة لا يجب أن يتعدوها، وفي لغة الرياضة خير وسيلة للدفاع الهجوم وليس
العكس.
من العجيب أن حزب
الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين تملك تجربة مريرة في مجلس الشعب؛ فلقد
وضعوا لأنفسهم أجندة تشريعية مثقلة بتحقيق الخدمات ظنًا منهم أنها ستحقق لهم
الشعبية المطلوبة ولم يعوا الدرس الذي فطنه كثير من الثوار، فلم يبدءوا بقوانين
السلطة التشريعية والإعلام وتطهير الداخلية، فكانت كل منجزاتهم الرائعة سرابًا في
نظر الناس إذ استطاع الإعلام ومن يسيطرون على الدولة أن يشوهوا صورة البرلمان ومن
ثم سهل حله، ولم يجدوا حملة شعبية تقف خلفهم للحئول دون حله.
اليوم يبدو لي أن مرسي
يسير في نفس اتجاه سير البرلمان وبنفس منطق جماعة الإخوان وحزبها في مجلس الشعب، ومن
العجيب أن القاعدة المنطقية تقول: لا تتوقع أن الأداة التي سببت لك الفشل في
الماضي ستحقق لك النجاح في المستقبل. هي القاعدة التي يتجاهلها مرسي فيما يبدو.
بوضوح، لن يتحقق مشروع
النهضة ولا الأهداف الخمسة للمائة يوم ولو نزل كل أفراد الإخوان وحزب النور
لمساعدة الدولة في تنفيذها طالما أن للدولة رأسان، أقواهما ليس الرئيس المنتخب
محمد مرسي.
وبوضوح أيضًا الساعة
لها شأن عظيم في هذه الأوقات العصيبة، ففي كل ساعة تتقلص شعبية الرئيس في ظل
الأزمات، وطالما أن الرئيس لا يصارح الشعب بتفاهمات أو حرب الغرف المغلقة فسيسهل
خلعه كما خلع مجلس الشعب وكله بالقانون.
نُشر في القدس العربي اللندنية وجريدة المصريون وموقع رصد الإخباري
تمام مائه في المائة
ردحذف