الأربعاء، 4 سبتمبر 2013

هل نتجه لحرب عالمية كارثية؟!



ثمة من يرى أن العالم اليوم أشبه ما يكون في بدايات العام 1914م، ينتظر حادثًا هنا أو هناك كالذي وقع لأرشيدوق النمسا باغتياله على يد رجل صربي مغمور، لتقوم على إثرها الحرب العالمية الأولى بمعاركها الطاحنة، ولئن كانت حادثة عظيم النمسا أمرًا جللاً إلا أن مسببات الحرب كانت أشد تعقيدًا وقِدمًا، إذ بدأت منذ التغيرات السياسية والعسكرية الحادة التي حدثت في أوربا منذ حروب القرن السابع عشر والثامن عشر وسقوط المملكة الفرنسية وظهور نابليون، والتهافت الفرنسي البريطاني على العالم القديم، والمحاولات الحثيثة للقضاء على العثمانيين، فضلاً عن التغيرات الفكرية والثقافية التي كانت تنتاب أوربا في ذلك الوقت.
وهذا على المستوى الواقعي اليوم ممكن. بل مسببات حرب عالمية مريعة قادمة لعلها تكون أكثر وجاهة ورجحانًا من الحربين السابقتين، وحتى نكون أكثر دقة فإننا سنقسّم هذا المقال إلى قسمين، الأول: الغرب والقوى الإسلامية. الثاني: الغرب - "روسيا والصين وإيران"، لنرى أثر مجمل هذه العلاقات التاريخية والمعاصرة على ما يحدث وما سيحدث في المنطقة العربية قريبًا.
الغرب والقوى الإسلامية
في كل الأحوال وفي مجملها اتخذت العلاقات الغربية الإسلامية أشكالاً متنوعة من الصراعات حتى كادت أن تصبح هي الأصل في العلاقات بين الجانبين، فمنذ الفتوحات الإسلامية الأولى بالقضاء على الرومان في الشام وشمال أفريقيا حتى الأندلس، مرورًا بالحروب الصليبية من الأولى للسابعة، ثم المواجهة العثمانية الأوربية في العمق الأوربي بعد ضم معقل الروم الأرثوذكس القسطنطينية إلى الدولة الفتية العثمانية، إلى الاحتلال الغربي في أواخر القرن التاسع عشر للبلدان العربية والإسلامية، إلى إسقاط الخلافة العثمانية عقب الحرب العالمية الأولى، إلى مآلات الحرب العالمية الثانية بخفوت الإمبراطوريتين القديمتين فرنسا وبريطانيا وصعود القوة الأمريكية الإمبريالية صاحبة الاحتلال أو النفوذ الأكثر خدعةً وتقدمًا وفتكًا؛ تقوم هذه الإستراتيجية ولن تنقطع فيما يبدو.
وإنه لمن اللافت أن ينظر الباحثُ إلى المؤسِّسات النظرية في التراث الإسلامي للفكر والسلوك والنظر تجاه الغرب، فنجد هذا الحديث النبوي اللافت، فعن المستورد الفهري أنه قال لعمرو بن العاص رضي الله عنه: "تقوم الساعة والروم أكثر الناس. فقال له عمرو بن العاص: أبصِر ما تقول. قال أقول لك ما سمعتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال عمرو بن العاص: إن تكن قلتَ ذاك؛ إنَّ فيهم لخصالاً أربعًا: إنهم لأسرع الناس كرة بعد فرَّة، وإنهم لخير الناس لمسكين وفقير وضعيف، وإنهم لأحلمُ الناس عند فتنة، والرابعة حسنة جميلة وإنهم لأمنع الناس من ظلم الملوك".
والحديث وتعليق عمرو بن العاص، رضي الله عنه، عليه في أعلى درجات الصحة؛ إذ رواه مسلم في صحيحه؛ ومن ثم، فإذا كان كبار العسكريين الإسلاميين من الصحابة الكرام كعمرو بن العاص قد رأوا منذ بدايات هذه العلاقات أن في الغرب/الروم حركة دائبة توسعية في المجالات العسكرية لن تتوقف بتقدم الزمان أو معوقات الأقطاب، فإننا يمكن أن نتوقع طبيعة تشكيل هذه المؤسِّسات التراثية في العقلية الإسلامية المعاصرة خاصة لدى الحركات الإسلامية المسلحة التي تتخذ الجهاد أصلاً أصيلاً في تعاملها مع هذا الغرب.
وقد يتبادر إلى الذهن سؤال: لماذا لا نؤسس أو نفهم العلاقة الإسلامية الغربية من خلال الدول العربية القائمة اليوم، وعلاقاتها الإستراتيجية بل والتحالفية مع الغرب، والإجابة تكمن في نتائج هذه العلاقات والسياسات من خلال خمس دول، هي تونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا، قامت فيها الثورات على التبعية وآثار هذه التبعية الاقتصادية والسياسية؛ إذ صعد الإسلاميون فيها بقوة الأمر الواقع ليستعيدوا دروهم الطليعي والطبيعي والتاريخي، وتيقن الغرب وعلى رأسهم الأمريكان أن حلفاءهم سرعان ما تهوي بهم شعوبهم سريعًا، فهم ظواهر فقاعية لا يمكن أن يُقاس عليها في فهم هذه العلاقة.
وعلى ذلك فالدول التي لم تقم فيها الثورات بعد، هي إن آجلاً أم عاجلاً ستقدم الإسلاميين على غيرهم؛ وذلك للأسباب الثقافية والتاريخية والواقع السياسي المأزوم.
الغرب ومحور "روسيا – الصين – إيران"
شكل الروس "السوفييت" والصينيين حتى الستينيات من القرن العشرين اتحادًا أيديولوجيًا وسياسيًا مثّل خطورة شديدة على الولايات المتحدة، وقد علمت أمريكا أن آسيا هي أكبر التحديات التي تقابلها في المستقبل، ولم يكن بدعًا ولا مستغربًا أن يقرر كيسنجر أن الولايات المتحدة اقتربت من الصين كثيرًا بعد التكبر والتجاهل الطويل لمحاولات فض هذا الطوق وإفشاله، بعدما مُرِّغت بسلسلة متواصلة من الهزائم منذ كوريا الشمالية في الخمسينيات حتى حرب فيتنام في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، حينها تحولت الولايات المتحدة من طور الشباب من احتكار القوة العالمية والقطبية الأحادية لفترة سريعة خاطفة بعد الحرب العالمية الثانية إلى طور النضج والاستقرار، أو الحفاظ على المكتسبات والتعامل مع واقع ثنائي/متعدد الأقطاب كما يُقرر المفكر الكبير الدكتور جمال حمدان في كتابه المهم "إستراتيجية الاستعمار والتحرير".
وقد كان هذا الحلف أحد الأسباب التي أرغمت الأمريكان على تقليم أظافر السوفييت دون القضاء عليهم بالكلية، لعلمهم أن الصين مارد قوي قادم، وها هي الصين في العام 2014م تعد الأول في الاقتصاد العالمي لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، وأكبر دائن للولايات المتحدة الأمريكية!
لقد أيقنت أمريكا منذ هزيمتها في فيتنام أن إستراتيجية الأحادية باتت من الماضي، وسقطت مع العثمانيين، وأن الأفضل لها أن تستفيد من التجربة البريطانية الاستعمارية في القرن التاسع عشر وأوائل العشرين في تعاملها مع الأنداد القادمين وعلى رأسهم الروس والصينين، وأرادت ولا زالت أن تجعل نفسها "رمانة الميزان" بل والمرجح للقوى في العالم من خلال دق الأسافين بين الكبار.
الأزمة السورية إلى حرب نووية!
من خلال هذا الوضع العالمي، ومن ثم بروز وتطور أزمة سوريا من المحلية إلى الإقليمية ومن ثم الدولية، نرى هؤلاء الكبار قد يُجبرون بالرغم منهم على التنازل عن لعبة موازين القوى هذه في أية لحظة إذا هُدِّدت مصالحهم، ولأن سوريا تعد من أولويات الأمن القومي الروسي إذ هي المزرعة الخلفية المؤثرة على أمن القوقاز بل وانفصاله إن انتصرت الثورة وصعد الإسلاميون ولاسيما الجهاديون، ولأنها على حدود "إسرائيل" التي ترى الحرب في مناطق وقف إطلاق النار في الجولان لأول مرة منذ أربعين عامًا؛ فهي تهدد الأمن القومي الأمريكي كذلك، فلا يرضى الروس باستيلاء الإسلاميين على سوريا، ولا يرضى الأمريكان بنفس المنطق، لكن الإشكالية كانت وستظل في إستراتجية كلا العملاقين في التعامل مع الأزمات، روسيا تفضل دائمًا الحلول الدفاعية وتراها أكثر نشاطًا وتقدمًا حتى تجلَّى ذلك في العسكرة الدفاعية كصواريخ سام وغيرها، أما الأمريكان فيفضلون الحلول الهجومية ويبرز هذا في عسكرتهم أيضًا من خلال الطائرات بدون طيار وطائرات الإف الشديدة التطور، ولب هذا الاختلاف نرى أثره اليوم في رؤية كل منهما لحل الأزمة السورية.
لكن الإشكالية ليست لا في الروس ولا الأمريكان وحلفائهم، إنما في القوة العسكرية المسلحة على الأرض، هي من تقرر لمن يرجح الصراع. تلعب روسيا على دعم إيران والمليشيات العراقية وحزب الله للقضاء على الجماعات الإسلامية السنية المسلحة، وتلعب أمريكا على دعم المعارضة المسلحة بما فيها بعض الفصائل الإسلامية الأقل تشددًا ضد الأمريكان للقضاء على الأسد ووضع البديل الذي يضمن أمن "إسرائيل" والمصالح الأمريكية، أو حتى من خلال الالتفاف على انتصار الجماعات الجهادية إن حدث، كما فعلت معهم في الصراع الأفغاني السوفيتي، وكل من الطرفين يلعب بالنار المحرقة.
الجديد في هذا الصراع هو تأجج الطائفية بين السنة والشيعة، وآثار هذا التأجج لن تكون في سوريا ولن تنحصر فيها فيما يبدو، فإذا كان الخليجيون يرمون أو سيرمون بثقلهم خلف المعارضة المسلحة في سوريا كحرب دفاعية لسلامة أمنهم القومي من المد الإيراني في الخليج إن انتصر، فإن العكس هو الذي قد يحدث بضرب إيران فعليًا للمصالح الأمريكية في الجزيرة العربية إن رأت الخليجيين يكسبون الكفة لصالحهم، هنا الكارثة الكبرى التي ستجبر الصين على التدخل لحماية المنافذ البحرية وإمدادات النفط. وقتها لا يمكن أن نتصور مآلات هذه الكارثة!
إن غرب آسيا اليوم، وخاصة إيران والعراق ودول الجزيرة العربية بما فيها اليمن ذات الصعود القوي للجهاديين فضلاً عن الأردن وسوريا و"إسرائيل"، ومن خلف هؤلاء وأولئك أمريكا وأروبا وروسيا والصين في حالة مهيئة لحرب إقليمية وربما دولية عظمى، وقد يكون من جملة أهداف هذه الحرب، المعد لهاوفق الرؤية التآمرية، القضاء على القوة الصينية النامية ، وقد يكون الكل مجبرًا عليها.
إن هذه الحرب إن قامت – لا قدر الله – لا يمكن أن نتصور إلى أين ستنتهي، ولأنه لا قانون ولا قيود في الحرب، فاستخدام القنابل النووية سيؤدي لا محالة لإفناء أعداد لا يمكن أن نتصورها من البشر، هذا سيناريو مشئوم. أعرف ذلك، وأرجو ألا نصل إليه أبدًا، لكن مما لا شك فيه أن القوى الإسلامية بمختلف انتماءاتها وعلى رأسها الجهادية باتت منذ الحرب السوفيتية مرورًا بالأمريكية في اطراد وقوة صاعدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق