الاثنين، 26 مارس 2012

الإخوان والعسكر ومعركة الفصل الأخير!


عقب الأحداث التي عُرفت إعلاميًا بمحمد محمود في شهر نوفمبر من العام الماضي والتي أعقبها تقديم انتخابات الرئاسة المصرية عام على الأقل لتصبح في شهر مايو 2012م، أصر الثوار على استقالة حكومة شرف وتكليف الوزارة لرئيس من الميدان وظهر اسم محمد البرادعي المرشح المنسحب من انتخابات الرئاسة، وعبد المنعم أبو الفتوح القيادي الإخواني السابق والمرشح الحالي لرئاسة الجمهورية وحسام عيسى أستاذ القانون وغيرهم، غير أن اختلاف الثوار على أنفسهم وإصرار بعضهم على إركاب "البرادعي" رئيسا للوزراء، جعل العسكر  يبادر بتعيين الجنزوري رجل النظام البائد في هذا المنصب وقد شكل حكومة تقليدية لا تختلف عن عصر مبارك في شيء بل فيها من عاصر مبارك مثل حسن يونس وزير الكهرباء وفايزة أبو النجا وزيرة التعاون الدولي!
في المعمعة!
لم يعلق الإخوان على هذه الحكومة ورضوا بها بحجة تفويت الفرصة على كل من يعطل الانتقال التدريجي للسلطة خاصة وأن الانتخابات البرلمانية كانت على الأبواب، والكل كان يستعد لها، وعقد الجميع على هذه الحكومة التي قال رئيسها إنه جاء بصلاحيات كاملة آمالا كبيرة في حل المشاكل المتفاقمة بعد الثورة خاصة الوضع الأمني والاقتصادي المنهارين، لكن أيًا من هذه المطالب لم يتحقق، وأخيرا بدأت الأغلبية الإسلامية من الإخوان والتيار السلفي في مجلسي الشعب والشورى تنادي بإقالة هذه الحكومة التي وصفتها صراحة بأنها السبب الرئيسي لافتعال الأزمات بغرض إسقاط البرلمان، وتلغيم الوضع لأي حكومة قادمة، بل أضحت هذه الحكومة ورقة ضغط قوية صرح العسكر مرارًا أنه لن يقيلها حتى انتهاء الفترة الانتقالية!
الإشكالية الكبرى في هذه الحكومة أنها مستمرة في عملها في ميقات خطير في تاريخ الحياة السياسية المصرية؛ لقد تبقى شهرين على موعد انتخابات رئاسة الجمهورية في مصر والوضع الداخلي والخارجي الذي تسببه هذه الحكومة يد العسكر التنفيذية كارثي بكل المقاييس.
فعلى الصعيد الداخلي تفاقمت أزمة السولار والبوتجاز وبعض السلع الأساسية والأزمة المرورية والأمنية والإضرابات العمالية وآخرها إضراب عمال هيئة النقل العام الذي سبب أزمة – ولا يزال – في مرور القاهرة المتكدس أصلاً؛ فضلاً عن أزمة الحمى القلاعية، ورجوع الأمن الوطني مرة أخرى، وإرهاب الناشطين السياسيين واعتقالهم وغيرها من الأزمات الكثيرة جدا، والتي لا يمكن أن تكون مجرد صدفة في هذا التوقيت الخطير.
أما على الصعيد الخارجي فلا يزال موقف مصر من الأزمة السورية وحصار غزة في غاية التأخر بل يبدو منه التواطؤ؛ فقد مرت بارجتين حربيتين إيرانيتين قناة السويس إلى سوريا تحت سمع وبصر هذه الحكومة والمجلس العسكري الحاكم، بل الأخطر أن حسن البرنس نائب مجلس الشعب الإخواني عن الإسكندرية أعلن بالأمس القريب على موقع الإخوان الرسمي أن الحكومة المصرية رحّلت نشطاء سوريين مقيمين في مصر إلى دمشق وهذه فضيحة بكل المقاييس.
وأما غزة فلا تزال أزمة الوقود والكهرباء فيها مستمرة منذ أسابيع للدرجة التي تظاهر فيها الغزاويون عند معبر رفح منذ بضعة أيام للاستنجاد بمصر لحل هذه الأزمة التي مصر بطبيعة الحال طرف فيها؛ هذا فضلا عن فضيحة سفر الأمريكيين المدانين في قضية "منظمات المجتمع المدني"، وخروجهم على متن طائرة عسكرية أمريكية حطت في مطار القاهرة المدني على الرغم من السلطات المصرية!!
كل هذه الكوارث الداخلية والخارجية سببت سقوطًا مدويًا يوميًا للإسلاميين في نظر المواطن العادي، الذي يراهم في برلمانهم لا يحركون ساكنًا؛ وهذا في الواقع ما يعبرون عنه بالصياح والصوت العالي والتنديد بل والتلويح بسحب الثقة من الحكومة ثم أخيرا الإصرار على إسقاطها وستتمخض نتائج هذه الملحمة إن صح التعبير في هذا الأسبوع وما يليه.
اللعب على المكشوف!
في ظل إصرار الإسلاميين على سحب الثقة من الحكومة وعلى رأسهم الإخوان جاءت إليهم رسائل تهديد مبطنة من العسكر كما صرح الدكتور عمار علي حسن أستاذ الاجتماع والإعلامي المعروف على حسابه على الفيس بوك تقول لهم إن شرعية البرلمان على المحك ويمكن تحريك ملف هذه الشرعية والطعن فيها وهو موجود عند رئيس المحكمة الدستورية العليا ومن ثم حل البرلمان ؛ الأمر الذي صعد من نبرة المواجهة بين الطرفين؛ تزامن هذا مع تغير رؤية الإخوان في ترشيح أحد قياداتهم في انتخابات الرئاسة؛ فقد صرحوا أنه في ظل المستجدات الحالية والدولية فإنه لا مشاحة في أن يترشحوا لهذا المنصب، وتردد اسم خيرت الشاطر نائب المرشد العام للإخوان وهو بالفعل قاب قوسين أو أدنى للترشح.
في المقابل قدم مجموعة من المحامين للنائب العام المصري ملف اتهام يطالبون فيه بحل حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الإخوان أكبر الأحزاب المصرية ومحاكمة المرشد محمد بديع ونائبه خيرت الشاطر لارتباطهم بالتنظيم الدولي وهو ما يخالف القانون المصري وقانون تنظيم الأحزاب، وهنا أصبح اللعب على المكشوف بين الجانبين، لذلك وفي ردة فعل قوية من الإخوان أخرجوا بيانًا ناريًا بتاريخ 24 مارس عددوا فيه مثالب هذه الحكومة وكان أخطر ما جاء فيه قولهم: "إن الإبقاء على هذه الوزارة لاسيما وأننا مقبلون على انتخابات رئاسية وعلى استفتاء شعبي على الدستور، إنما يثير الشكوك حول نزاهة هذه الانتخابات والاستفتاء، كما أن التدهور المتواصل في أحوال الشعب، أمور لا يمكن السكوت أو الصبر عليها، وإنه إذا كان هناك من يسعى لإعادة إنتاج النظام الفاسد السابق بوجوه جديدة، فإن الشعب قادر ومستعد للحركة لإعادة إنتاج ثورته وحمايتها وإنقاذ سفينتها قبل أن تغرق إلى القاع على أيدي أناس لا يستشعرون المسئولية الشرعية أو الوطنية". وهو تهديد صريح للنزول في مليونيات جديدة إلى الميادين للتخلص من كل من يريد إعادة إنتاج الفساد مرة أخرى لاسيما ملف انتخابات الرئاسة وإمكانية تزويره وملف الدستور الذي يريد العسكر فيه صلاحيات تجعله بمنأى عن المدنيين ومستقلا بنظامه المالي والعسكري والسيادي، وهذا أخطر ما في الواجهة بين الدولة الأمنية ومن يريدون دولة ديمقراطية جمهورية لا استعلاء فيها لأحد.
في اليوم التالي أخرج العسكر بيانه القوي الذي يذكر فيه الإخوان بدروس تاريخ العلاقة الجدلية بينهم منذ عبد الناصر الذي أدخلهم السجون حتى مبارك الذي ذاقوا الأمرين في عهده، وهو بيان خطير شديد اللهجة، أخطر ما فيه التهديد المبطن بالانقلاب على الثورة ذاتها وإن كان الإخوان هم المقصود الظاهري للخطاب!
كيفية الخروج من الأزمة
ثمة ثلاث نتائج من المحتمل أن تتجلى إحداها من هذا التصعيد بين المجلس العسكري وبين الإخوان المسلمين:
أولهما: تعنت كل طرف وتصلبه على موقفه، وانتهاج سياسة عض الأصابع؛ الشجاع فيها من يتحمل للنهاية، لكن الإشكالية أن العقلية العسكرية وإن استعانت بالمخابرات والمستشارين السياسيين لا طاقة لها بهذه المواجهة السياسية والصدام عندها مقدم على المناورات، فالخشية هنا من انقلاب عسكري في ظل معاناة الشارع المنفض عن الزخم الثوري؛ ولذا لابد من خطوة استباقية من الإخوان والثوار عمومًا – ينسى فيها كل الوطنيين والثوار ولو إلى حين تجاذبات النيل ونقد المواقف - إن رأوا إصرار العسكر على مواقفه في خلال هذا الأسبوع؛ أي النزول في مليونيات تزيح هذه الحكومة لتنشأ حكومة وطنية تشرف بنفسها على انتخابات الرئاسة والاستفتاء على الدستور وحل الكوارث الداخلية والخارجية.
ثانيهما: الوصول لحل وسط يرضى فيه الطرفان بالأمر الواقع، ويخسر فيه الطرفان كذلك جزءًا من المكتسبات التي كان يحلم بها، وهو منطق براجماتي تفاوضي يضع الثورة تحت الأقدام.
ثالثهما: تململ أي من الطرفين، ورجوع العسكر عن المواجهة لا شك أنه مهم ومفيد وجيد وفي صالح الثورة وما تبقى من المرحلة الانتقالية التي ستكلل بانتخابات الرئاسة في أواخر مايو. لكن المصيبة الأكبر ستكون في تململ وانسحاب الإخوان، وظهورهم في الشارع بمظهر صاحب الصوت العالي دون الفعل على الأرض؛ وهذه المصيبة لن تكون نتائجها على الإخوان وحدهم؛ فهنا حُق لأي معاد للثورة ولو في النظام الحاكم أن يفعل ما يحلو له، لتستمر الكوارث، وينفض الشعب عن البقية الباقية من الزخم الثوري والبرلمان، ويرجع النظام القديم ولو بالتزوير والصدام أو الانقلاب العسكري.
لا شك أننا في أخطر لحظات الثورة المصرية إن لم نكن في أخطر لحظات تاريخ مصر الحديث كله؛ فإما لحظة الانعتاق من الدولة الأمنية الاستبدادية التي استمرات جاثمة على صدور المصريين طوال عقود طويلة أو لحظة العودة إلى الخلف لإعادة إنتاج النظام القديم!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق