الجمعة، 16 يناير 2015

لماذا سقطت بغداد العباسية (4)؟!

يمكن أن نقسم إستراتيجية القضاء على الخلافة العباسية وسقوط بغداد على يد هولاكو إلى ثلاث مراحل:
الأولى تأمين الطريق إلى بغداد.
الثانية: التوقيت المناسب باستطلاع رأي المنجمين والفلكيين على عادة ملوك ذلك العصر.
 الثالثة: وضع وتنفيذها الخطة العسكرية.
الطريق إلى بغداد!
لقد رأى هولاكو بحنكته العسكرية أن يستولي على الجهات الواقعة في طريقه إلى بغداد ليؤمن طريق عودته إذا فشلت حملته في اقتحامها، ولذلك أرسل إلى أمراء المناطق الشرقية لمحاولة استمالتهم له، لكنهم آثروا البقاء تحت طاعة الخليفة المستعصم الأمر الذي جر عليهم حربًا شرسة، جعلت هولاكو يستدعي قادته المحنكين وجيوشًا كثيفة من إيران الوسطى لمحاربتهم والانتصار عليهم، وكذلك كانت استراتيجية هولاكو قبل الدخول في أرض العراق أن يُثير أحقاد الأقليات على الخلافة وهو ما نجح فيه مع جماعات لا بأس بها من المسيحيين والشيعة الذين كانوا قد نالهم ضرر بالغ من اقتحام ابن الخليفة أبي بكر وقائد جيوشه مجاهد الدين لحي الكرخ وسحق الاضطرابات التي وقعت فيه سنة 655هـ[1].
كانت الخطوة الثانية استطلاع رأي الفلكيين، فإنه من اللافت أن طليعة جيش هولاكو كانت من النخبة المثقفة من كل الأجناس وعلى رأسها مسلمين من السنة والشيعة على السواء، لقد كان نصير الدين الطوسي الفلكي والفيلسوف الشهير على رأس الحملة العسكرية التي قضت على بغداد، بل كان كاتب رسائل هولاكو إلى ملوك وأمراء المسلمين بمن فيهم الخليفة، وكان في الحملة أيضًا فلكي سني اسمه حسام الدين كان خان المغول قد أرسله في خدمة هولاكو.
بدأ هولاكو في استشارة منجمه حسام الدين الذي حرص أن يُثني هولاكو عن عزمه بقصد بغداد فراح يؤكد له أن هذه الحملة تحدث خلالا في نظام الكون، فضلاً على أنها سوف تكون وبالاً على الخان نفسه، فكان مما قاله له: الحقيقة أن كل ملكٍ تجاسر ـ حتى هذه اللحظة ـ على قصد الخلافة والزحف بالجيش على بغداد لم يبق له العرش ولا الحياة، وإذا أبى الملك أن يستمع إلى نصائحي، وتمسك بمشروعه فسينتج عنه ستة مصائب كبيرة: تموت الخيول كلها، ويمرض الجنود، ولن تطلع الشمس، ولن ينزل النبات في الأرض، ولن ينزل المطر، وتهب رياح شديدة، ويعاني العالم من الزلازل، ويموت الخان الأعظم في هذا العام"[2].
لكن هولاكو استدعى نصير الدين الطوسي وهو الشيعي المتعصب الذي عُرف عنه حقده على العباسيين؛ فلقد نقض كل ما قاله حسام الدين، وطمأن هولاكو بأنه لا توجد موانع تحول دون إقدامه على الغزو، ولم يقف عند هذا الحد، بل يؤيد وجهة نظره بالحجج القوية التي تكذب نبوءة حسام الدين، فذكر أن الكثيرين من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ماتوا في الدفاع عن الدين، ومع ذلك لم تقع أية كارثة، وإذا قيل أن ذلك خاص ببني العباس، فإن الكثير من الناس قد خرجوا على هذه الأسرة وقتلوا منهم بعض الخلفاء، دون أن يحدث أي خلل، وأخذ نصير الطوسي يتمثل بطاهر بن الحسين قائد المأمون الذي قتل محمد الأمين، وبالأمراء الذين قتلوا المتوكل والمنتصر والمعتز وغيرهم[3].
أما على الجانب الآخر؛ فإن المستعصم رغم موافقته للقائدين العسكريين الكبيرين مجاهد الدين الدوادار وسليمان شاه على المقاومة وصد هذه الهجمة المغولية؛ فإنه لم يقم بما يجب عليه لصد هذا الخطر الكبير، ولم يكن يملك عزمًا على الإنفاق والاستعداد اللازم؛ فإنه بعد أن أمر وزيره ابن العلقمي بجمع الجند وبعد أن نفذ الوزير أمره بعد مراوغة استمرت خمسة أشهر عاد فنكص على عقبيه ولم يوزّع عليهم شيئًا من المال، وعاودته طبيعة البخل المتحكمة فيه، فضلا عن الدعة وحب الراحة والاستمتاع باللهو، "وكان إذا نُبّه على ما ينبغي ان يفعله في امر التاتار: إما المداراة والدخول في طاعتهم وتوخي مرضاتهم او تجيّش العساكر وملتقاهم بتخوم خراسان قبل تمكنهم واستيلائهم على العراق فكان يقول: انا بغداد تكفيني ولا يستكثرونها لي إذا نزلت لهم عن باقي البلاد ولا ايضا يهجمون عليّ وانا بها وهي بيتي ودار مقامي. فهذه الخيالات الفاسدة وأمثالها عدلت به عن الصواب فأصيب بمكاره لم تخطر بباله"[4].
عزم هولاكو على المسير إلى بغداد وقسّم جيشه إلى فرقتين كبيرتين، "فأمر بايجو نوين وسونجاق نوين ليتوجّها في مقدمته على طريق اربل وتوجه هو على طريق حلوان"[5].
وكانت خطة هولاكو ترمي إلى جعل بغداد محاطة بجيوش المغول من الجهتين الشرقية والغربية، فكان خط سير رئيس الفرقة الأولى بايجو نوين ومن معه الانتقال من همذان إلى الموصل عن طريق إربل ويعبرون جسر الموصل ويكونون في وقت حددوه سلفًا معسكرين في الجانب الغربي من بغداد. وجزء آخر من نفس الفرقة وعلى رأسها قائد يدعى كتبغا نويان ينتقل من لورستان وخوزستان وكان هو الجناح الأيسر.
أما هولاكو فأراد أن يطوّق بغداد من الجانب الشرقي فانتقل من همذان إلى حلوان ومنها إلى كرمانشاهان على مقربة من قوات الخليفة التي تمركزت بين بعقوبا وباجسرا شمال شرقي بغداد. كانت هذه الأحداث في نهاية شهر ذي الحجة لعام 655هـ[6].
كان الجيش العباسي في هذه الأثناء ضعيفًا مفككًا لا يقوى على هذه الأعداد التي قال عنها ابن الفوطي: "جيش لا يُحصى عدده، ولا ينفذ مدده"[7]. ولم يكن يعلم خطة التطويق التي أقرّها هولاكو، ومع ذلك خرج قائد الجيش العباسي مجاهد الدين أيبك إلى بعقوبا شمال شرقي العاصمة ليكون في مقابلة جيش المغول وصدّه.
لكن هولاكو أراد أن يحدث فتنة في صفوف القوات العباسية باستمالة العنصر الغالب فيها وهم الأتراك إليه من خلال الأتراك الذين كانوا في جيشه، لكن هذه المحاولة باءت بالفشل، ثم اتخذ حيلة أخرى لكسب الوقت تمثلت في مراسلة الخليفة للقدوم إليه مع كبار قادته وباءت أيضًا هذه المحاولة بالفشل، ومن ثم لم يكن أمامه إلا أن يبدأ في تنفيذ الخطة العسكرية القاضية باقتحام بغداد من الجهتين الغربية والشرقية.
وهنا استدعى هولاكو قادة الجيش الثاني الذي كان متجهًا للتمركز غرب بغداد وأمرهم بالإسراع في تنفيذ الخطة، ويبدو أن هذا الاستدعاء كان الغرض منه أن يعرف الجيش العباسي المتمركر في الشرق والحائل دون وصول هولاكو لمحاصرة بغداد.
المناوشات خارج العاصمة
وبالفعل نجحت خدعة هولاكو فقد علمت قوات الخلافة العباسية بمهاجمة القوات المغولية للعاصمة من ناحية الغرب فتحركت على الفور من مركزها وعبرت نهر دجلة لتصدها وبذلك تركت هولاكو وجيشه في الشرق حرًا طليقًا حتى وصل شاطئ نهر حلوان في 9 ذي الحجة سنة 655هـ ثم عسكر في خانقين حتى يوم 22 من نفس الشهر ثم واصل سيره حتى عسكر شرقي بغداد في 11 من المحرم سنة 656هـ أي بعد عام تقريبا من بدء تحركه من همذان[8].
وقد وصف ابن العبري هذه الخدعة بقوله: "خرج الدويدار من بغداد ونزل بجانب ياعقوبا (بعقوبة على مسافة 16 كم شمال شرقي بغداد) ولما بلغه ان بايجو نوين عبر دجلة ونزل بالجانب الغربي ظن أن هولاكو قد نزل هناك فرحل عن يا عقوبا ونزل بحيال بايجو"[9]. وهذا إن دل فيدل على ضعف الاستطلاعات العباسية وعدم جهوزيتها للدرجة التي لا تعرف معها أن جيشًا كبيرًا مقدرًا بثلاثين ألف جندي قد تحرك من جهة الشرق إلى الغرب أم لا!
ولما أُخلي الجانب الشرقي من العاصمة وبات الطريق مفتوحًا أمام هولاكو استطاعت الشرطة المغولية أن تعتقل أحد قادة الجيش العباسي "يقال له ايبك الحلبي فحملوه الى هولاكو فأمّنه ان تكلّم بالصحيح وطيّب قلبه فصار يسير امام العسكر ويهديهم. وكتب كتابا الى بعض أصحابه يقول لهم: ارحموا أرواحكم واطلبوا الامان لان لا طاقة لكم بهذه الجيوش الكثيفة. فأجابوه بكتاب يقولون فيه: من يكون هولاكو؟ وما قدرته ببيت عباس من الله ملكهم؟ ولا يفلح من يعاندهم ولو أراد هولاكو الصلح لما داس ارض الخليفة ولما أفسد فيها. والآن ان كان يختار المصالحة فليعد الى همذان ونحن نتوسل بالدويدار ليخضع لأمير المؤمنين متخشعا في هذا الأمر لعلّه يعفو عن هفوة هولاكو. فلما عرض ايبك الكتاب على هولاكو ضحك واستدلّ به على غباوتهم"[10].
والحق أن هذه الحوادث السابقة تدلل بوضوح على المستوى العسكري والتوعوي المزري الذي وصل له تفكير الحاشية العباسية آنئذ، فلا هي قادرة بدقة على معرفة إن كان الجيش الأول المغولي المتمركز في شرق العاصمة وهو مقدّر بالآلاف قد تحرك من موضعه إلى الغرب أم لا بل وتصدق أنه تحرك بالفعل، ولا هي قادرة على استيعاب النصيحة التي أرسلها هذا القائد المأسور لهم، حيث تقابل القدرة المغولية العسكرية الهائلة بخطاب تافه مليء بالخيال وعدم استيعاب الخطر المحدق ولكنه دليل لا غبار عليه على حجم الكارثة الإدراكية التي وصل لها العقل الجمعي وقتئذٍ!
على كل استطاع هولاكو أن يصل إلى الجانب الشرقي، وفي المقابل كانت عساكر الجيش الثاني بقيادة بايجو نوين قد بذلت مجهودًا جبارًا في الوصول إلى الموصل ثم العودة مرة أخرى لهولاكو كما مرّ بنا ثم الاتجاه صوب بغداد الغربية؛ فلقد أسرعت هذه العساكر في مقابلة هولاكو في المكان المسمى طاق كسرى[11] ثم تلقت أوامره ثم عادت مرة أخرى شطر بغداد الغربية، وعبرت نهر دجلة عند تكريت على جسر من القوارب أقامته في 24 ساعة بعدما قطع أهل تكريت الجسر الذي أقامه بدر الدين لؤلؤ زعيم الموصل للمغول كي يسهل عبورهم إلى الجهة الغربية من دجلة، وسارت قوات بايجو نوين وعسكرت على شاطئ نهر عيسى بعد أن استارحت من العناء الذي لاقته، وطلب أحد القادة المغول واسمه سنجاك من بايجو نوين أن يؤمره على مقدمة الجيش حتى وصل قريبًا من حي الحربية غربي بغداد.
وفي هذه الأثناء كان كل سكان المناطق الآهلة من تكريت إلى بغداد الغربية فضلا عن مدن شرق العراق كلها قد فرّوا من وجه الاكتساح المغولي لهذه المناطق، وقد سرد لنا ابن الطقطى مأساة هؤلاء النازحين بقوله: "لما عبر عسكر باجو (بايجو) من تكريت وانحدر إلى أعمال بغداد أجفل الناسُ من دجيل والإسحاقي ونهر عيسى ودخلوا إلى المدينة بنسائهم وأولادهم، حتى كان الرجل أو المرأة يقذفُ بنفسه في الماء، وكان الملاح إذا عبّر أحدًا في سفينة من جانب إلى جانب يأخذ أجرته سوارًا من ذهب أو طرازًا من زركش أو عدة دنانير"[12]. وهذه الرواية توضح لنا حجم الكارثة والفزع الذي عاشه الناس في هذه المناطق!
بل إن ابن الفوطي يزيد من وصف هذه المأساة فيقول: "وأما السلطان (هولاكو) فإنه سار نحو بغداد بجيوش تملأ الفضاء، واستصحب آلات الحصار وغيرها، وأجفل أهل السواد من بين يديه إلى بغداد؛ حتى امتلأت شوارعها، فضاقت على سعتها عنهم، فقعدوا في الطرقات والدكاكين، وغلت الأقوات، ووقع الناس في الخوف الشديد، والويل العظيم"[13].
سحق الجيش العباسي!
غير أن قوات الخليفة بقيادة الدويدار مجاهد الدين أيبك كانت قد عبرت نهر دجلة فلاقت عساكر سنجاك في 9 من المحرم سنة 656هـ وهزمته بالقرب من الأنبار على بُعد 15كم تقريبا غرب بغداد واضطرته إلى التقهقر والإسراع إلى قوات المغول التي تركها وراءه، ولم يكتف الدويدار بهذا النصر بل أصر على تتبع الجيش المنهزم، فاضطرت قوات بايجو نوين إلى الانضمام إلى سونجاك ووقعت موقعة كبيرة بينهما في منطقة دجيل مساء يوم 9 وصباح يوم 10 من المحرم سنة 656/16، 17 يناير 1258م. وعلى الرغم من أن قوات الخليفة أحرزت الغلبة مساء يوم 9 المحرم؛ فإن المغول نجحوا ليلاً بسبب قطع أحد الجداول على نهير يُسمى الملك متفرع من دجلة وإغراق ما وراء العسكر العباسي، يقول الدياربكري (ت966هـ): "اجتمع أهل بغداد وتحالفوا على قتال هولاكو وخرجوا الى ظاهر بغداد ومشى عليهم هولاكو بعساكره فقاتلوا قتالا شديدا وصبر كل من الطائفتين صبرا عظيما وكثرت الجراحات والقتلى فى الفريقين الى أن نصر الله تعالى عساكر بغداد وانكسر هولاكو أقبح كسرة وساق المسلمون خلفهم وأسروا منهم جماعة وعادوا بالاسرى ورؤس القتلى الى ظاهر بغداد ونزلوا بخيمهم مطمئنين بهروب العدوّ فأرسل الوزير ابن العلقمى فى تلك الليلة جماعة من أصحابه فقطعوا شط الدجلة فخرج ماؤها على عساكر بغداد وهم نائمون فغرقت مواشيهم وخيامهم وأموالهم وصار السعيد منهم من لقى فرسا يركبها وكان الوزير قد أرسل الى هولاكو يعرّفه بما فعل ويأمره بالرجوع الى بغداد فرجعت عساكر هولاكو الى ظاهر بغداد فلم يجدوا هناك من يردّهم"[14].
ويُفهم من رواية الدياربكري أن ابن العلقمي وبعض أعوانه خدعوا الجيوش العباسية بفتح النهر خلف الجيش العباسي الأمر الذي جعلهم محصورين غير قادرين على دفع خطر بايجو نوين إذا عاد مرة أخرى، مع التأكيد على أن رواية الدياربكري معممة إذ أن القتال كان دائرًا بين الدويدار وبايجو نوين وسنجاك وبقية الجيش المغولي الثاني في حين أن هولاكو وجيشه كان لا يزال في الشرق منتظرًا ساعة التطويق.
على أن رواية قطب الدين اليونيني (ت726هـ) المعاصر لهجوم التتار على بغداد – إذ كان عمره وقتها 16عامًا – تبين أن بايجو نوين كان مستعينًا بقوات من الموصل بل والأغرب بقوات من أهل بغداد أنفسهم من شيعة محلة الكرخ، يقول: "توجّه التتر إلى العراق وجاء بانجونوين في جحفل عظيم وفيه خلق من الكرخ ومن عسكر بركة – خان – ابن عم هولاكو ومدد من بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل مع ولده الملك الصالح من جهة البر الغربي عن دجلة وخرج معظم العسكر من بغداد للقائهم ومقدمهم ركن الدين الدوادار فالتقوا على نحو مرحلتين[15] من بغداد واقتتلواُ قتالاً كثيراً وفُتقت فتوق من نهر الملك على البر الذي القتال فيه ووقعت الكسرة على عسكر بغداد فوقع بعضهم في الماء الذي خرج من تلك الفتوق فارتطمت خيلهم وأخذتهم السيوف فهلكوا وبعضهم رجع إلى بغداد هزيماً وقصد بعضهم جهة الشام قيل كانوا نحو ألف فارس ثم توجه بانجونوين ومن معه فنزل القرية مقابل دور الخلافة وبينه وبينها دجلة"[16].
ومما يجب ذكره أن كبار القادة العسكريين من المحنكين وعلى رأسهم الأمير فتح الدين الحسن بن كُرّ[17] ممن كان مع مجاهد الدين الدويدار قد نصحوه بعد انتصاره بالعودة إلى بغداد وعدم تتبع المغول والتوغل خلفهم؛ إذ كانت استراتجيتهم العسكرية قائمة في كثير من الأوقات على الكمائن، قال ابن كُر للدويدار بعد نصر يوم 9 المحرم: "لقد منحنا الله الآن الغلبة فيجب أن نقصد بيوتنا لنستريح ثم نخرج ثانية للقتال. لكن الدويتدار تجبّر وتكبّر ورفض المشورة ومكثوا جميعًا خارجًا، وكان البغداديون مقيمين في أرض منخفضة فذهب التتار وثغروا ثغرة تفجّرت منها مياه دجلة وأغرقت البغداديين في نصف الليل، وجعلوا ينهزمون من وسط المياه وقد تبللت قسيّهم وسهامهم وأغماد سيوفهم، ولما أصبح الصباح انصبّ عليهم التتر أصحاب هولاكو واستمرت المعركة حتى الساعة التاسعة من يوم الخميس فانكسر البغداديون وارتخت عزائمهم، وقُتل ابن كورار (ابن كُرّ) وانهزم الدويتدار إلى المدينة"[18].
وعلى كل فإن المغول لم يهزموا الجيش العباسي صباح يوم 10 من المحرم فقط، بل أنزلوا به الخسائر الفادحة أيضًا فقتل عدد من كبار قادة العباسيين مثل فلاح الدين وابن قره و قره سنقر، كما قتل من الجند العباسي اثنا عشر ألفًا عدا من غرقوا وغطاهم الطين، ولم ينج منهم إلا من رمى بنفسه في الماء أو دخل البرية ومضى على وجهه إلى الشام أو الحلة والكوفة في الجنوب، وكان الدويدار مجاهد الدين ممن نجوا من هذه المصيبة إذ استطاع العودة إلى بغداد مع شرذمة قليلة من الناجين، وكان عدد الجيش العباسي بقيادة مجاهد الدين يقارب العشرين ألفًا وجيش المغول بقيادة بايجو يزيد على ثلاثين ألفاً، ما يعني أن ما يقرب من 80% من القوات العباسية أو أكثر أصبح لا وجود له[19]!
نُشر في الحملة العالمية



[1] مصطفى بدر: محنة الإسلام ص160.
[2] الصلابي: المغول بين الانتشار والانكسار ص193، نقلا عن جامع التواريخ للهمذاني.
[3] مصطفى بدر: محنة الإسلام ص161.
[4] ابن العبري: تاريخ مختصر الدول ص255.
[5] ابن العبري: تاريخ مختصر الدول ص270.
[6] الهمذاني: جامع التواريخ مج2 1/282، 283.
[7] ابن الفوطي: الحوادث الجامعة ص355.
[8] مصطفى بدر: محنة الإسلام ص167.
[9] ابن العبري: تاريخ مختصر الدول ص270.
[10] ابن العبري: تاريخ مختصر الدول ص270.
[11] طاق كسرى كانت منطقة من بقايا المدائن عاصمة الفرس الساسانيين جنوبي بغداد.
[12] ابن الطقطقى: الفخري في الآداب السلطانية ص335.
[13] ابن الفوطي: الحوادث الجامعة ص351.
[14] الدياربكري: تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس 2/377.
[15] المرحلة: المسافة يقطعها السائر في نحو يوم. المعجم الوسيط 1/335.
[16] اليونيني: ذيل مرآة الزمان 1/87، 88.
[17] كان من أكابر الزعماء ببغداد، وكان موصوفاً بالكرم، والشجاعة، وأصالة الرأي. قيل إنه ما أكل شيئاً إلا وتصدق بمثله.
وكان يحب الفقهاء، وأهل الفضل، ويكرم الفقراء، ويقضي حوائجهم. ابن تغري بردي: المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي 5/119.
[18] ابن العبري: تاريخ الزمان ص307.
[19] ابن الطقطى: الفخري في الآداب السلطانية ص336.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق