الأربعاء، 4 فبراير 2015

من دوافع العنف لدى الشباب!

العنف ظاهرة قديمة، يمكن للمرء أن يلحظ ذلك بكل سهولة حينما يطالع مصدرًا من مصادر التاريخ العام لدى أي حضارة من الحضارات، والإنسان بطبعه كائن مركب يميل إلى الفجور أكثر مما يميل إلى التقوى، ولما كان الشباب ذروة القوة لدى الإنسان، تجلّت هذه الظاهرة بوضوح.
أرقام مفزعة!
لقد جاء في تقرير صحيفة وقائع التابعة لمنظمة الصحة العالمية الصادر في أغسطس 2011م، حول عنف الشباب أنه "يُسجّل كل عام في جميع أنحاء العالم، حدوث نحو 250,000 جريمة قتل بين الشباب من الفئة العمرية 10-29 سنة، ممّا يمثّل 41% من العدد الإجمالي لجرائم القتل التي تحدث سنوياً على الصعيد العالمي. وتتباين معدلات القتل التي تُسجّل بين الشباب، بشكل كبير، بين البلدان وداخلها. غير أنّ الذكور يشكّلون، في كل البلدان، معظم مقترفي جرائم القتل وضحاياها. أمّا معدلات جرائم القتل المُسجّلة بين الإناث فهي أكثر انخفاضاً بكثير في كل الأماكن تقريباً. ولوحظ، في الفترة بين عامي 1990 و2004، ارتفاع معدلات جرائم القتل المُسجّلة بين الشباب في كثير من البلدان النامية، وانخفاضها في عدة بلدان متقدمة"[1].
ونتيجة لهذه الأرقام المرعبة، فيجب أولاً أن نعرف ماهية العنف لدى علماء النفس والاجتماع لنرصد أهم أسبابها ودوافعها في المنطقة العربية.
ماهية العنف
يقدم علم النفس عدد من النظريات التي تفسّر حدوث العنف، فوفق النظرية  البيولوجية فإن العنف ينشأ نتيجة عمليات التطور في الإنسان، بالإضافة لكونه تعبير عن الطاقة الداخلية للفرد. بينما تري النظرية النفسية الاجتماعية أن العنف غريزة تدميرية ملتصقة بالفرد بصورة جِبلّية، أو هو تقليد لنماذج العنف التي يراها الشاب في مجتمعه وخاصة المواد الإعلامية العنيفة التي تبثها وسائل الإعلام على مدار الساعة، وهناك وجهة نظر أخرى ترى أن هناك بعض المنظمات الاجتماعية بالمجتمع تدعم وتشجّع العنف، كتشجيع أولياء الأمور أبنائهم على الاعتداء على الآخرين، أو على الممتلكات العامة، و هناك العنف الذي يصدر نتيجة للشعور بالإحباط الذي يسيطر على الفرد عندما لا يحقق بعض احتياجاته المشروعة كالزواج  وبناء أسرة، وكذلك هناك العنف الذي يصدر عن الشباب كردة فعل مضادة لعنف يمارس ضدهم من بعض القوى في المجتمع، وهذا العنف هو المسبب الرئيسي للعنف في مجتمعاتنا العربية[2]
على أننا سنقف مع سببين رئيسيين من أسباب انتشار العنف بين الشباب العربي والإسلامي، وهما: الفراغ، والقراءة المعوجة لنصوص الدين، بغية الوقوف أمامها ومعالجتها من العقلاء والنابهين.
إشكالية الفراغ
غالبًا ما يكون وقت الفراغ هو الوقت الذي يتحرر فيه الفرد من المهام الملتزمة بأدائها بصورة مباشرة وغير مباشرة.
ومما يُنتبه له، أن رسول الله r قد حذّر من ضياع الفراغ فيما لا يفيد، فدعا إلى استثماره، ونعته بالنعمة، فقال r: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ"[3].
 على أننا يجب أن نتفهّم أن الفراغ الفكري كذلك هو الأشد خطورة وأحد الأسباب الرئيسة في تكوين ظاهرة العنف لدى الشباب، فالفراغ الفكري ليس مقصوده خلو عقل الإنسان من المعلومات، وإنما خلو عقله من الفكر الذي هو ناتج عن جمع معلومات من مصادر مختلفة وتحليلها والاستفادة منها والخروج بقناعات وثوابت فكرية محددة.
ويشير بعض الباحثين إلى أن الفراغ الفكري يرجع إلى:
1-    الجهل الناتج عن الأمية الفكرية.
2-    عدم وجود التوعية الأبوية الكافية منذ الصغر.
3-    عدم مبالاة الإنسان بالأحداث التي تجري حوله والاستفادة منها.
4-    عدم وجود مناعة فكرية تقي العقول من الغلو والإفراط الفكري[4].
العنف باسم الدين!
إن أشد التحديات التي تواجه الشباب المسلم اليوم، والتي توصله إلى العنف باسم الدين، غالبًا ما تكون بسبب القراءة المنقوصة للنصوص، وهي التي تنبع إما من غرور أو هوى أو قراءة خاطئة للنصوص الشرعية وخلل في فهمها.
فالهوى هو ما تدفع به النفس صاحبها لتحقيق حظوظها، وقد نهى الله تعالى عن ذلك، وخاطب به نبي الله داود بقوله: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [5].
ولقد رأينا الأهواء ممزوجة بلباس زائف من الدين في أمثلة عديدة من التاريخ، فالذي قتل الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه هو عمرو بن الحمق الذي ظن أنه فعل ذلك ديانة، وقد طعنه تسع طعنات، وقال حينما طعنه :"فأما ثلاث منها فإني طعنتها إياه لله، وستٌ لِما كان في صدري عليه"[6]!
ولذلك حذّر الإمام الشاطبي من أصحاب الأهواء، فقال:"فكذلك صاحب الهوى إذا ضل قلبه وأُشرب حبه لا تعمل فيه الموعظة، ولا يقبل البرهان ولايكترث بمن خالفه"[7].
وثمة إشكالية أخرى، تتسبّب في ذلك، هي اعوجاج منهج الشاب في التلقي الشرعي والديني سواء من المجاهيل أو الوسائل الإعلامية والتوعوية غير المنضبطة، لذا الأصل في منهج التلقي أن يكون عن القرآن والسنة والأئمة العدول، والالتزام بقواعد الاستدلال الشرعي، والمتأمل في الوقائع يجد أن أكثر من ترك الحق أو صدَّ عنه، واتبع الباطل كان سببه هذا الخلل[8].
ومما يُروى عن نتائج هذا الاعوجاج في التلقي، وسوء الفهم عن الله ورسوله r، ما ذكره ابن قتيبة أن "واصل بن عطاء كان في رفقة فلقيهم ناس من الخوارج، فقالوا لهم: من أنتم؟ قال لهم واصل: مستجيرون حتّى نسمع كلام اللّه، فاعرضوا عليّنا. فعرضوا عليهم فقال واصل: قد قبلنا. قالوا: فامضوا راشدين. قال واصل: ما ذلك لكم حتى تبلغونا مأمننا. قال اللّه تعالى: "وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام اللّه ثم أبلغه مأمنه" فأبلغونا مأمننا. فجاءوا معهم حتى بلغوا مأمنهم"[9]، وهي الحكاية التي تتكرر بتكرر سنة سوء الفهم عن الله ورسوله في كل زمان ومكان!
آثار العنف الشبابي
إن آثار العنف الشبابي على المجتمعات العربية شديدة الخطورة، وعلى رأسها ذلك العدد المفزع من حالات القتل السنوية، لكن الأشد خطورة هو أولئك الذين مروا بتجارب العنف ولم يلقوا حتفهم، فلقد ذكرت منظمة الصحة العالمية في تقريرها لعام 2011م "أنّ حالات العنف غير المميتة المُسجّلة بين الشباب لا تسهم بقدر وافر في العبء العالمي الناجم عن الوفيات المبكّرة والإصابات والعجز فحسب، بل تلحق أيضاً بوظائف الشخص النفسية والاجتماعية آثاراً خطيرة تدوم مدى الحياة في غالب الأحيان. ويمكن أن يؤثّر ذلك على أُسر الضحايا وأصدقائهم ومجتمعاتهم المحلية. ويزيد عنف الشباب، بشكل كبير، من التكاليف الصحية وتكاليف خدمات الرعاية والعدالة الجنائية؛ ويتسبّب في خفض الإنتاجية وتراجع قيمة الممتلكات وتفكيك النسيج الاجتماعي عموماً"[10].

نُشر في مجلة الوعي الإسلامي الكويتية - عدد  595 ربيع الأول 1436هـ - يناير 2015 م




[1] منظمة الصحة العالمية – صحيفة وقائع رقم 356 لسنة 2011م.
[2] صلاح الدين عبد القادر: مقال بعنوان "العنف المنتشر بين الشباب، الأسباب والحلو"،  المركز الوطني لأبحاث الشباب – جامعة الملك سعود.
[3] صحيح البخاري 7/170. دار الفكر – بيروت.
[4] رانيا نظمي: علاقة الانحراف الفكري بظاهرة الفراغ عند الشباب – من منشورات قسم الثقافة الإسلامية، جامعة الملك سعود.
[5] (ص26)
[6] ابن كثير: البداية والنهاية 10/309. تحقيق عبد الله بن عبد المحسن التركي، دار هجر للطباعة، الطبعة الأولى – الرياض، 1997م.
[7] الشاطبي: الاعتصام 2/778، 779. تحقيق سليم بن عيد الهلالي، دار ابن عفان، الطبعة الأولى – الرياض، 1992م.
[8] محمد سويد الدقلة: الشباب ومواجهة تحديات العصر، منشور ضمن تدويناته الخاصة.
[9] ابن قتيبة: عيون الأخبار 1/293. دار الكتب العلمية – بيروت، 1997م.
[10] منظمة الصحة العالمية – صحيفة وقائع رقم 356، لسنة 2011م.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق